زينب بنت جحش –رضي الله عنها-(الخطب المهمة لدعاة الأمة عدد شهر شوال 1436هـ)

2015-07-04

اللجنة العلمية

العنوان :زينب بنت جحش –رضي الله عنها-

الخطبة إعداد اللجنة العلمية

عدد شوال 1436هـ من الخطب المهمة لدعاة الأمة


زينب بنت جحش رضي الله عنها-

 

عناصر الخطبة

مجمل سيرتها

فضائلها

وفاتها

التفصيل

مجمل سيرتها: قال أبو نعيم: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ أُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، عَمَّةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، كَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ سَنَةِ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ أَوَّلُ نِسَائِهِ لُحُوقًا بِهِ -صلى الله عليه وسلم- ، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، كَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ يُعَلِّمُهَا كِتَابَ رَبِّهَا وَسُنَّةَ نَبِيِّهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا اللهُ مِنْهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ بِشَهَادَةِ جِبْرِيلَ، كَانَتْ أَوَّاهَةً كَثِيرَةَ الْخَيْرِ، معرفة وَالصَّدَقَةِ، وَصُولَةً لِرَحِمِهَا، بَذُولَةً لِمَالِهَا، طَوِيلَةَ الْيَدَيْنِ بِالصَّدَقَةِ، تَفْتَخِرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ زَوَّجَهَا إِيَّاهُ، أَوْلَمَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  وَلِيمَةً أَشْبَعَ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا خُبْزًا وَلَحْمًا، وَفِي شَأْنِهَا وَوَلِيمَتِهَا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، كَانَتْ عَطَاؤُهَا الَّذِي فَرَضَهَا عُمَرُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، فَلَمَّا حَمَلَ إِلَيْهَا أَوَّلَ عَطَاءٍ لِعُمَرَ فَرَّقَتْهَا فِي ذَوِي قَرَابَتِهَا وَأَيْتَامِهَا، ثُمَّ قَالَتِ: اللهُمَّ لَا يُدْرِكُنِي عَطَاءٌ لِعُمَرَ بَعْدَ هَذَا، فَمَاتَتْ وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَدَخَلَ قَبْرَهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ (1)، وَمُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَوَّلُ مَنْ صُنِعَ لَهَا نَعْشُ الْجَنَازَةِ، وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ(2).

وقيل: إن النبي ﷺ تزوج بزينب في ذي القعدة سنة خمس، وهي يومئذ بنت خمس وعشرين سنة(3).

فضائلها رضي الله عنها

1- فضيلة الصحبة. . فكل متا ورد من فضائل عامة في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تندرج تحته أم المؤمنين زينب -رضي الله عنها-

2- تعظيمها لأمر الله ورسوله وذلك في قصة زواجها من زيد بن حارثة رضي الله عنه.

وذلك أن هذا الزواج قد كان بأمر الله ورسوله؛ وقد  كان زيد مولىً، وكانت زينب سيدة شريفة، ولذلك لما خطبها النبي ﷺ لزيد أبدت عدم الموافقة مبدئيًا بقولها: أؤامر نفسي فقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ (الأحزاب: 36) فلما نزلت الآية رجعت عن مشاورة نفسها وعظمت أمر الله ورسوله، ولو كان على خلاف هواها.

قال ابن كثير: عن ابن عباس: قَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  انْطَلَقَ لِيَخْطُبَ عَلَى فَتَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةِ فَخَطَبَهَا، فَقَالَتْ: لَسْتُ بِنَاكِحَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "بَلْ فَانْكِحِيهِ". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُؤَامَرُ فِي نَفْسِي. فَبَيْنَمَا هُمَا يَتَحَدَّثَانِ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} الْآيَةَ، قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُهُ لِي مُنْكِحًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَتْ: إِذًا لَا أَعْصِي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، قد أنكحته نفسي. (4)

سبب طلاقها من زيد؛ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: ((اتَّقِ اللَّهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ))، قَالَ أَنَسٌ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ، قَالَ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-   تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، وَعَنْ ثَابِتٍ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ

 وَتَخْشَى النَّاسَ} [الأحزاب: 37]، ((نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ)). (5)

فقوله: جاء زيد بن حارثة يشكو أي: جاء إلى رسول الله ﷺ يشكو زوجه زينب ويستشيره في طلاقها؛ لأنها كانت تترفع عليه، وتقابله ببعض الكلام غير المناسب؛ لحدّة كانت فيها. (6)

فعلم أن السبب في طلاق زيد لزينب ومن ثم زواج النبي ﷺ منها؛ هو ما كان بين زيد وبين زينب من خلافات، وأنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما، فطلقها بمحض اختياره، ورغبته، وكان رسول الله ﷺ ينهاه عن ذلك، وقد كان الله عز وجل قدأعلم نبيه ﷺ أن زيدًا سيطلق زينب، وأنه ستكون زوجة له، وأنه ﷺ كان يخفي هذا ويخشى من مقولة الناس، أنه تزوج مطلقة من كان يُدعا إليه، فعاتبه ربه على ذلك. (7)

ولماذا تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ان النساء سواها كثير.

والجواب صريح في هذه الآية التي تبين أن الله تعالى زوجها للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليرفع الحرج عن المؤمنين في الزواج من زوجات الأدعياء  إذا قضوا منهن وطرًا قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ (الأحزاب: 37).

قال علماؤنا: وكان سبب نزول هذه الآيات، أن الله تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة، من جميع الوجوه، وأن أزواجهم، لا جناح على من تبنّاهم، في نكاحهن.

وكان هذا من الأمور المعتادة، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير، فأراد أن يكون هذا الشرع قولًا من رسوله وفعلًا، وإذا أراد الله أمرًا، جعل له سببًا، وكان زيد بن حارثة يدعى (زيد بن محمد) قد تبناه النبي ﷺ، فصار يدعى إليه حتى نزل: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ فقيل له: (زيد بن حارثة) وكانت تحته، زينب بنت جحش، ابنة عمة رسول الله ﷺ، ثم قدر الله أن يكون بينها وبين زيد، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي ﷺ في فراقها.

وما هو المعنى الصحيح لخشية النبي ﷺ، وما الذي أخفاه النبي ﷺ.

وليس معنى الخشية هنا الخوف وإنما معناه الاستحياء أي يستحيى منهم أن يقولوا: تزوج زوجة ابنه، وأن خشيته ﷺ من الناس كانت من إرجاف المنافقين واليهود وتشغيبهم على المسلمين بقولهم: تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء كما كان؛ فعتبه الله على هذا، ونزهه عن الالتفات إليهم فيما أحله له. (8)

عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعان قَالَ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَا يَقُولُ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ] }؟ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا أَتَاهُ زَيْدٌ لِيَشْكُوَهَا إِلَيْهِ قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ. فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنِّي مُزَوّجكها، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ(9). وقال ابن حجر: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُخْفِيهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  هُوَ إِخْبَارُ اللَّهِ إِيَّاهُ أَنَّهَا سَتَصِيرُ زَوْجَتَهُ وَالَّذِي كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى إِخْفَاءِ ذَلِكَ خَشْيَةَ قَوْلِ النَّاسِ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ وَأَرَادَ اللَّهُ إِبْطَالَ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ التَّبَنِّي بِأَمْرٍ لَا أَبْلَغُ فِي الْإِبْطَالِ مِنْهُ وَهُوَ تَزَوُّجُ امْرَأَةِ الَّذِي يُدْعَى ابْنًا وَوُقُوعُ ذَلِكَ مِنْ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ أَدْعَى لِقَبُولِهِمْ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخَبْطُ فِي تَأْوِيلِ مُتَعَلِّقِ

 الْخَشْيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (10)

3- زوّجها الله نبيه ﷺ من فوق سبع سموات. وهي التي يقول الله فيها: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ (الأحزاب: 37) فزّوجها الله تعالى بنبيه ﷺ بنصّ كتابه، بلا وليّ ولا شاهد.

 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-   تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ. (11)

وفي لفظ عن أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، يَقُولُ: " نَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ(12)" وَفِي مُرْسَلِ الشعبي قالت زينب يا رسول الله أَنَا أَعْظَمُ نِسَائِكَ عَلَيْكَ حَقًّا أَنَا خَيْرُهُنَّ مَنْكَحًا وَأَكْرَمُهُنَّ سَفِيرًا وَأَقْرَبُهُنَّ رَحِمًا فَزَوَّجَنِيكَ الرَّحْمَنُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ وَكَانَ جِبْرِيلُ هُوَ السَّفِيرُ بِذَلِكَ وَأَنَا ابْنَةُ عَمَّتِكَ وَلَيْسَ لَكَ مِنْ نِسَائِكَ قَرِيبَةٌ غَيْرِي(13)

4- نزول الحجاب صبيحة الدخول بها.

عن أنس -رضي الله عنه- قال: بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا فيجيء قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يجيء قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو فَقُلْتُ: يَا نبي الله مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ قَالَ: " ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ "، وَبَقِىَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَخَرَجَ النبي ﷺ فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ: " السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ الله ". فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ الله، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ الله لَكَ فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَجَعَ النبي ﷺ؛ فَإِذَا ثَلاَثَةُ رَهْطٍ في الْبَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ، وَكَانَ النَّبِي ﷺ شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَمَا أَدْرِى آخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا، فَرَجَعَ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ دَاخِلَةً وَأُخْرَى خَارِجَةً، أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ(14).

وفي لفظ  عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: ((أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ، وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيَدْعُونَ لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رَأَى رَجُلَيْنِ جَرَى بِهِمَا الحَدِيثُ، فَلَمَّا رَآهُمَا رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلاَنِ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا مُسْرِعَيْنِ، فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِمَا أَمْ أُخْبِرَ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ البَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الحِجَابِ))(15)

وفي لفظ عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  المَدِينَةَ، فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  عَشْرًا حَيَاتَهُ، وَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَقَدْ كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، ((أَصْبَحَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  بِهَا عَرُوسًا، فَدَعَا القَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ ثُمَّ خَرَجُوا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ. . . . الحديث.

وفي هذه الواقعة نزل قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)

وفي زواجها من النبي -صلى الله عليه وسلم- عدة فضائل فمنها أن الله تولى عقد نكاحه بنفسه وأنها صارت بذلك  أما للمؤمنين ومن أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  وزجًا له تحشر معه يوم القيامة

وفي صبيحة عرسها نزل الحجاب فخوطب به نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وعمت علته جميع النساء المؤمنات

5- ثناء عائشة عليها.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت في زينب بنت جحش: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ. وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالاً لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ. (16)

قال النووي: قَوْلُهَا وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي أَيْ تُفَاخِرُنِي وَتُضَاهِينِي بِجَمَالِهَا وَمَكَانِهَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ السُّمُوِّ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ (17).

وقال البدر العيني وَفِيه: إدلال زَيْنَب بنت جحش على النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- ، لكَونهَا كَانَت بنت عمته، كَانَت أمهَا أُمَيْمَة بِالتَّصْغِيرِ بنت عبد الْمطلب(18).

6- أطولهن يدًا بالصدقة: فعن عائشة -رضي الله عنها-: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: "أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِى أَطْوَلُكُنَّ يَدًا"قَالَتْ فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ فَكَانَتْ  أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ لأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ(19).

فبشرها بسرعة لحوقها به، وهي زوجته في الجنة -رضي الله عنها- (20).

7- ورعها في حديث الإفك حتى شهدت لها عائشة بقولها: وأما زينب، فعصمها الله بورعها، وأما أختها حمنة فانطلقت تحارب لها فهلكت فيمن هلك تعني أقيم عليها الحد(21).

8- متابعتها للنبي ﷺ ومنافستها لغيرها في الخيرات.

فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح؛ ثم يدخله فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها، فضربت خباء، فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي ﷺ رأى الأخبية فقال: " ما هذا؟ " فأخبر؛ فقال النبي ﷺ: " آلبر تردن بهذا؟ " فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرًا من شوال(22).

9-خوفها وحرصها على التعلم.

عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: ((لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ)) وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: ((نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ)) "(23).

قال عمر بن عبد العزيز، كان يقول: "إن اللَّهَ تعالى لا يُعَذِّبُ العَامِّةَ بِذَنْبِ الخَاصَّةِ، ولكِنْ إذَا عُمِلَ المُنْكَرُ جِهَارًا، وَلَمْ يُغيِّرُوا، اسْتحَقُّوا العُقُوبَةَ كُلُّهُمْ". (24)

قال القاضي عياض: قال: " نعم، إذا كثر الخَبَثُ " ويروى: " الخُبُثُ "، قال الإمام: إذا كثر الفسوق والفجور.(25)

10-  اتباعها للسنة:

 عن زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: ((لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا))  ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ، فَمَسَّتْ بِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: ((لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا))"(26).

وفاتها: توفيت في سنة عشرين، وصلى عليها عمر -رضي الله عنه-. (27)

 

نسأل الله التوفيق و السداد

 

والحمد لله رب العالمين

---

(1) هو ابن أخ السيدة زينب بنت جحش ، انظر: تهذيب الكمال14/292.

(2) معرفة الصحابة لأبي نعيم ترجمة زينب بنت جحش ’22/298.

(3) الثقات لابن حبان (2/139)، والإصابة (7/667).

(4) تفسير ابن كثير 3/645.

(5) أخرجه البخاري (6984).

(6) أخرجه عبد الرزاق في التفسير (2266) والطبراني (24/41) في الكبير، وإسناده صحيح.

(7)  انظر: جامع البيان للطبري (22/11)، فتح الباري (8/524).

(8) الشفا (2/190).

(9) تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 425).

(10) فتح الباري (8/524) ونقله عنه الشيخ محمد بن يوسف الصالحي الشامي ثم قال معجبًا بما قرره الحافظ: فرضي الله تعالى عن هذا الحافظ، وقدس روحه، ونور ضريحه. اﻫ من سبل الهدى والرشاد (10/440).

(11) أخرجه البخاري (6984).

(12) صحيح البخاري (9/ 125) ح (7421).

(13) تحفة الأحوذي (9/ 53).

(14) أخرجه البخاري (4515)، ومسلم (1428).

(15) صحيح البخاري (6/ 119) 4794

(16) أخرجه مسلم (2442)

(17) شرح النووي على مسلم (17/ 113).

(18) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13/ 139).

(19) مسلم (2452).

(20) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/26) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

(21) البخاري (3910)

(22)  أخرجه البخاري (1928).

(23) البخاري (3598).

(24) المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 589).

(25) إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 412).

(26)  أخرجه البخاري (1222) و ح (1281). .

(27)  أخرجه البخاري (3168)

عدد المشاهدات 5101