سلسلة الخطب المنبرية - الغفلة

2012-06-15

أحمد عبد السلام

[ الغفلة - حقيقتها- أسبابها – نتائجها – علاجها]

 

مقدمة: قال الله تعالى{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ...} [الأنبياء: 1 - 3] وقال تعالى{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } [مريم: 39]

كفى بالقرآن شاهداً على حال العباد ,حقاً والله الناس في غفلة وأي غفلة,أنا أتساءل أين الناس؟أين الناس من المساجد؟أين الشباب من تعلم العلم والقرآن؟ أين المسلمون من التضرع إلى الله ليكشف كربة الأمة؟ أين الفرار إلى الله ؟"ففروا إلى الله.." الآن صار الناس يفرون من الله؟ بل إن بعض الناس ممن ينتسب إلى هذه الأمة لا يريد أن يحكم بشرع الله, ويعلنها صريحة؟! لماذا؟ وماالسبب؟ إنها الغفلة التي طمست العقول وأفسدت القلوب, الغفلة عن اللجوء إلى الله,,الغفلة عن التوبة,, الغفلة عن الطاعة,, الغفلة عن ذكر الله,الغفلة رد المظالم......,, فأحذر نفسي وإخواني من هذا المرض الخطير والداء المخوف الذي لو تمادى فيه الإنسان أورثه ندامة لا تنقطع وحسرة لا آخر لها إلا من تولاه الله برحمته وأيقظه من هذا المرض الخطير.

يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: اعلم أن الإنسان ما دام يأمل الحياة فإنه لا يقطع أمله من الدنيا، وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها، ويرجيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره، فإذا تيقن الموت ويئس من الحياة أفاق من سكرته في شهوات الدنيا؛ فندم على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب وليعمل صالحاً فلا يجاب إلى شيء من ذلك، فيجتمع عليه مع سكرات الموت حسرات الفوت."أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} أحد الذين حضرتهم المنية وبلغت به الروح الحلقوم، أخذ يلطم وجهه ويقول: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} وقال آخر عند احتضاره: سخرت بي الدنيا حتى ذهب بأيامي.وقال آخر عند موته: لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتني.إياك أخي المسلم والغفلة فإنها أيام تنقضي وغداً تلقى ربك,فاغتنم ولا تنم...

إذا هبت رياحك فاغتنمها       فعقبى كل خافقة سـكون

ولا تغفل عن الإحسان فيها: فما تدري السكون متى يكون

فما هي الغفلة وما حقيقتها؟

تعريف الغفلة: سهو يعتري الإنسان من قلّة التّحفّظ والتّيقّظ.

وأما حقيقتها: الانغماس في الدنيا وشهواتها ونسيان الآخرة بحيث يصير الإنسان له قلب لا يفقه به وله عين لا يرى بها وله أذن لا يسمع بها,قال تعالى{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }فيجتهد في تعمير الدنيا الفانية ويعرض عن الآخرة الباقية,فيكره لقاء الله واليوم الآخر لأنه لم يقدم لنفسه شيئاً,فيخاف أن ينتقل من العمران إلى الخراب ...*فتراه منغمساً في نِعَم الله التي لا تعد ولا تحصى وينسى شكر المنعم؟!*يجتهد في جمع المال من حله وحرامه,ويملأ بطنه بالحرام ولا يبالي  *يتلذذ بالذنوب والمعاصي وينسى أن يطرق باب التوبة!

*يحيد عن الحق ويتكبر عن قبوله,ويتبع طريق الضلال,ولا يتأثر بالآيات الشرعية والكونية.....اسمع ماذا قال ربك عن هذا الصنف من الناس{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ }هل تأملت أخي المسلم هذه الآية...لذلك نحن معاشر المسلمين نقول في دعائنا:اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.,نقول:اهدنا الصراط المستقيم.

كيفية معرفة الغافل:

أيها الأحبة إن كثيراً من الغافلين لا يعلمون أنهم في غفلة، وإذا أردت أن تعلم هل أنت من الغافلين أم لا، فانظر كما قال ابن مسعود: [ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي].إن كنت تمر عليك الأيام والليالي لا تتحسر على فواتها لأنها مضت في غير طاعة أو لم تتزود منها كما ينبغي فاعلم أنك غافل، إذا أردت أن تعلم هل أنت من الغافلين أم لا فانظر اهتمامك بوقتك، فانظر عنايتك بالوقت إن كنت تقتله سدى، تضيعه هباءً، لا تبالي بما أدبر وأقبل منه فأنت غافل مسكين.

وهنا سؤال مهم:ما هي الأسباب التي تورث الغفلة لكي نجتنبها؟

أسباب الغفلة:

أولاً: طول الأمل فطول الأمل من تزيين الشيطان وسلطانه على قلوب الغافلين؛ فلا آفة أعظم منه، بل لولاه ما وقع إهمال أصلاً، وإنما تفتر الهمم، ويسود العجز والكسل، ويقدم العبد على المعاصي، ويبادر إلى الشهوات، ويغفل عن الإنابة بسبب طول أمله؛ فما الذي منع العاصي من التوبة وجعله يسوف فيها إلا طول الأمل؟وما الذي جعل المقصر في الطاعة يتقاعس عنها إلا طول الأمل؟ وما الذي جعل الظالم يتمادى في ظلمه ولا يرد المظالم إلى أهلها إلا طول الأمل؟ فهؤلاء نظروا إلى الموت كأنه شيء بعيد جداً لذلك وقعوا فيما وقعوا قال الله تعالى: { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا } إنه طول الأمل تلك الآفة الخطيرة التي حذرنا منها القرآن,قال تعالى"{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} وقد توعد الله عز وجل هؤلاء الغافلين فقال تعالى {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} واسمع ماذا قال سلفنا في التحذير من طول الأمل, قال علي بن أبي طالب: (إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتين: طول الأمل واتباع الهوى؛ فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.

وعن الحسن قال: (ما أطال عبدٌ الأمل، إلا أساء العمل)  وقال الفضيل: (إن من الشقاء طول الأمل، وإن من النعيم قصر الأمل) ،وقال بعض الحكماء: (الجاهل يعتمد على الأمل، والعاقل يعتمد على العمل)

قال الحارث المحاسبي:طول الأمل ينسي الْآخِرَة وَيذكر الدُّنْيَا ويحسنها ويحببهما إليك وَيُورث الْحَسَد والتسويف وَيُقَوِّي الْهوى وَيكثر الشَّهَوَات.

ويقول أبو حامد الغزالي : اعلم أنه إذا طال الأمل هاج منه أشياء: ترك الطاعة، والكسل فيها، وترك التوبة وتسويفها، والحرص على الجمع والاشتغال بالدنيا، وقسوة القلب ونسيان الآخرة.ومن كلام الحكماء: «إيّاكم وطول الأمل فإنّ من ألهاه أمله أخزاه عمله» )

وجاء في الأثر: (أربعة من الشقاء جمود العين وقسوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا)"

وقال ابن القيم: (مفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة، ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل)  

فيا ناصحاً لنفسه أَقْصِرِ الأملَ! واستعد للحساب قبل حلول الأجل؛ فإن ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أمانٍ، والوقت ضائع بينهما؛ فإن لم تستطع ذلك فاعمل عملَ قصير الأمل؛ فإن سعادتك في ذلك، ودع عنك التسويف؛ فإنه من أعوان إبليس . يقول الحسن: (إياك والتسويف؛ فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غد لك فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم)  

وقيل: من قصر أمله قل همه وتنور قلبه لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة ... " فمن قصر أمله ورأى سرعة انقضاء أجله، كان ذلك أدعى لأن يصبر على فعل الطاعات، فلا يصرف أوقاته إلا فيما ينفعه في آخرته.وكان آخر يقول: والله ما نمت نومة إلا ظننت أني لا أستيقظ بعدها أبداً.

ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عمر: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، فكان ابن عمر يحقق هذا واقعاً ملموساً في حياته فيقول: (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من حياتك لموتك، ومن صحتك لمرضك).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك »

الآفة الثانية التي تورث الغفلة (حب الدنيا): قال تعالى مخبراً عن أهل الغفلة "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ"

فمعرفة أمور الدنيا وعلومها هو أمر محمود، ولكن الاكتفاء به والإكثار منه بحيث يؤدي ذلك إلى الغفلة عن الآخرة هو المذموم.

قال ابن كثير: (أي أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشئونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون في أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة)، قال ابن عباس وعكرمة وقتادة رحمهم الله ورضي عنهم: «يعرفون أمر معيشتهم ودنياهم، متى يزرعون، ومتى يحصدون، وكيف يغرسون، وكيف يبيتون»

 قال الحسن البصري: واللَّه ليبلغ من علم أحدهم بدنياه أن يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي.

 فحب الدنيا والركون إليها رأس كل خطيئة,فإذا تمكنت الدنيا من قلب العبد أفسدت عليه آخرته,ولا يجتمعان في قلب عبد:حب الدنيا والعمل للآخرة.

قال ابن القيّم: «على قدر رغبة العبد في الدّنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة» قال سلمان الفارسي: عجبت من ثلاثة: مؤمل دنيا والموت يطلبه، وضاحك بملء فيه لا يدري أربه راض عنه أم ساخط عليه، وغافل ليس بمغفول عنه.

وقال صلى الله عليه وسلم محذرا من الركون إلى الدنيا: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)(حم,م)وقد جاءت الآيات الكثيرة في القرآن يحذر الله فيها عباده من الركون إلى الدنيا والاغترار بها وهي كثيرة ومعلومة  فراجعها إن شئت.  

قال يحيى بن معاذ الرّازي: «الدّنيا خمر الشّيطان، من سكر منها لم يفق إلّا في عسكر الموت نادما مع الخاسرين» وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح لأتباعه حقيقة الدنيا وموقفه منها

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (مالي وللدنيا؛ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها) رواه الإمام أحمد والترمذي

 قال ابن رجب: وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة وليست له وطناً، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على واحد من حالين: إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد الغربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم ألبتة، بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة، فلهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يكون في الدنيا على واحدٍ من هذين الحالين.

 ثالثاً: اتخاذ الدين لهواً ولعباً:سل نفسك أخي المسلم ماذا يمثل دين الله في حياتك؟هل الدين هو همك الذي تحمله أم الدنيا واللهث وراء الشهوات؟ هل الدين على رأس اهتماماتك,أم أن الدين آخر القضايا التي تفكر فيها؟ هل الدين هو قضيتك التي توالي عليها وتعادي من أجلها, أم هوى النفس ورغباتها؟

إياك أن تكون من الذين قال الله فيهم { الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [الأعراف: 51]

قال أبو الدرداء: [إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله، فإن كان عمله تبعاً لهواه فيومه يوم سوء، وإن كان هواه تبعاً لعمله، فيومه يومٌ صالح] وعن ابن عباس قال: [ليأتين على الناس زمانٌ يكون همة أحدهم فيه بطنه، ودينه هواه] مثل أهل البدع، دينهم أهواء، يهوى شيئاً فيتبعه ويجعله ديناً.

نتائج الغفلة:

الغفلة سبب لتسلط الشياطين و أقران السوء على المرء قال سبحانه وتعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [الزخرف: 36 - 39] فمن يتعامى ويتغافل عن ذكر الله تعالى ويغمض عينيه عن نور رب العالمين سبحانه وتعالى؛ ويترك ربه سبحانه وتعالى، يتركه الله عز وجل ويسلط عليه هواه، ويسلط عليه الشياطين لأنه غافل عن الله عز وجل.

الغفلة سبب انحطاط الهمم:

يقول أبو الدرداء: (عجبت لطالب الدنيا والموت يطلبه)، أي: هو يجري وراء الدنيا، والموت يجري وراءه، قال: (عجبت لطالب الدنيا والموت يطلبه، ولغافل وليس بمغفول عنه)،

وسئل ابن الجوزي: أيجوز أن أفتح لنفسي في مباح الملاهي؟ فقال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها.

قال عمر رضي الله عنه: الراحة للرجال غفلة.وقال شعبة بن الحجاج: لا تقعدوا فراغاً؛ فإن الموت يطلبكم.فلذلك يقول ابن القيم: "كل إنسان لابد له من سنة الغفلة ورقاد الغفلة، ولكن كن خفيف النوم". وأخطر من ذلك أن الإنسان إذا تمادى في غفلته,أورثته هذه الغفلة حسرة وندامة لا انقطاع لهما لأنه لم يفق من غفلته إلا بعد فوات الأوان عندما يعاين السكرات,عندما ينام على فراش الموت,عند ذلك يتمنى أن لو مد الله في عمره ساعة ليستدرك ما فاته ويصلح ما أفسده ولكن هيهات هيهات "حيل بينهم وبين ما يشتهون.." قال الله تعالى { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 99، 100]والله إنها لحسرة وإنها لندامة ولا تنفع الحسرة والندامة يومئذ,,,والأشد من ذلك في الحسرة والندامة عندما يحشر أهل الغفلة بين يدي الله تعالى وقد نكسوا الرؤوس وعلت وجوههم الذلة والصغار.,اسمع ماذا قال ربك سبحانه وتعالى {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [السجدة: 12 - 14]

وتزداد حسرتهم وندامتهم عندما يؤخذ بهم إلى جهنم يساقون إليها سوقاً ويدفعون دفعاً شديداً فيقفون على شفير جهنم ينظرون إلى لهيبها ويسمعون شهيقها وزفيرها وهي تتغيظ عليهم,عند ذلك يتمنون أن لو رُدوا إلى الدنيا ليصطلحوا مع ربهم ويتبعوا أمره,,قال تعالى" وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" وقال تعالى" وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ*وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ.." وقال تعالى" أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ"

إذاً فما علاج هذا المرض الخطير؟ هناك عدة أسباب لابد أن نأخذ بها لعلاج هذا المرض:

أولاً:تذكر الموت ومشاهد الآخرة:

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْتَ , إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُلَاقِيهِ "

أيها الأحبة: تزول الغفلة بتذكر الخاتمة، عش ما شئت فإنك ميت، يقول أبو الدرداء لما حضرته الوفاة: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لساعتي هذه؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ ثم تلا قول الله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} مر ابن الجوزي مرة بقصر من قصور الأثرياء فقال وهو يخاطب صاحب القصر الذي كان جالساً في شرفة من شرفات القصر، فقال ابن الجوزي له:

ستنقلك المنايا عن ديارك* ويبدلك الردى داراً بدارك

وتترك ما غنيت به زماناً *وتنقل من غناك إلى افتقارك

فدود القبر في عينيك ترعى* وترعى عين غيرك في ديارك

إذا أردنا أن تنجلي هذه الغفلة فلنتذكر أننا راحلون، كم جنازة صلينا عليها تذكر أنك يوماً من الأيام واحدة من الجنائز التي يصلى عليها، زر المقابر وتأمل أحوال هذه المقابر:

أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر

 

وأين المدلل بسلطانه وأين الغني إذا ما افتقر

أين المــلـوك ذوي الـتـيجان من إرم

 

وأين مـا ساســه في الفرس سـاسـان

أتى عـلى الكل أمر لا مرد له حتى قضوا

 

فـكــأن الــقــوم مـا كــانـــوا

زر قبر الرئيس وقبر الزعيم، وقبر الأمير وقبر الوزير، وقبر الملك، وقبر الثري وقبر الفقير؛ كلها بجوار بعضها، أين الحجاب، وأين البواب، وأين الاستئذان، وأين البرتوكول، وأين المواعيد؟ انتهى الأمر: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}  هذا هو المرد وهذه هي النهاية، فمن تذكر ذلك حتى وإن ركب ما ركب وسكن ما سكن وجمع ما جمع فإنه بإذن الله عز وجل يعود منكسراً إلى الله{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}   لذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور لأنها تذكر الآخرة،فقال «أكثِروا ذكر هاذم اللذات؛" فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا وسعه عليه، ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقه عليه. بل (لما جيء بجنازة وجلس صلى الله عليه وسلم على شفير القبر بكى حتى بل الثرى، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا إخواني لمثل هذا فأعدوا) فليتفكر العبد في هذا، وليعلم أنه لا يعالجه من هذه الغفلة إلا أن يكسر ويحطم قسوة قلبه بأن يرى الأموات يغسلون، ويرى الأموات يكفنون، ويقف عند المقابر، ويزور المرضى، وينظر أحوال أصحاب العاهات الذين سلبت منهم العافية بين لحظة ولحظة ليعرف حاله وأن ما أصابهم ليس ببعيد أن يصيبه.هكذا -أيها الأحبة- ينبغي أن ننتبه وأن نحذر من هذه الغفلة، ومن لازم ذكر الله عز وجل فهو في خير وعلى خير بإذن الله سبحانه وتعالى.

أما والله لو علم الأنام ... لما خلقوا لما غفلوا وناموا

لقد خلقوا لما لو أبصرته ... عيون قلوبهم تاهوا وهاموا

ممات ثم قبر ثم حشر ... وتوبيخ وأهوال عظام

وعن مطرِّف ابن عبد الله قال: (القبر منزل بين الدنيا والآخرة؛ فمن نزله بزاد ارتحل به إلى الآخرة، إنْ خيراً فخير، وإن شراً فشر) وقال الأوزاعي: (من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير)  ، وقال مالك بن مِغْوَل: (من قصر أمله هان عليه عيشه)  وقال الداراني: (ينبغي للعبد المعني بنفسه أن يميت العاجلة الزائلة المتعقبة بالآفات من قلبه بذكر الموت وما وراء الموت من الأهوال والحساب ووقوفه بين يدي الجبار)  وقال النضر بن المنذر: (زوروا الآخرة بقلوبكم، وشاهدوا الموقف بتوهمكم، وتوسدوا القبور بقلوبكم، واعلموا أن ذلك كائن لا محالة، فاختار لنفسه ما أحب من المنافع والضرر) 

ثانيا:معرفة الغاية التي خلقنا من أجلها

قال تعالى" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" هذه هي الغاية التي خلق الله الخلق من أجلها فاشغل بها فكرك واملأ بها أوقاتك وإياك أن تكون ممن غفل عن هذه الغاية فتندم يوم القيامة مع النادمين,قال الله تعالى" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ" هذا الصنف من الناس عندما يسأل في قبره عن الغاية التي خلق من أجلها يقول:ها ها لا أدري!لأنه كان في الدنيا

ثالثا:تحديد هدفك في الحياة

فإنسان بدون هدف لا قيمة له ولا وزن له بين الناس,وما ضيع المضيعون وأنفقوا حياتهم في اللهو واللعب إلا بسبب عدم تحديد الهدف,واعلم أن أعظم أسباب التخلص من الغفلة هو تحديد الهدف بصدق.,فقف مع نفسك وقفة صادقة واسألها ما هو هدفي في هذه الحياة؟ وعند تحديد الهدف انظر في سير العظماء من سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ورضي عنهم وانظر كيف كانت أهداف القوم,وإليك مثال من هؤلاء أبو إدريس الخولاني كان يقول: أيظن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله لُتُزاحمَنَّهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالاً.هذا هدف من أهداف القوم,فأين شباب المسلمين من مثل هذا الهدف وغيره من الأهداف السامية بدلاً من الأهداف التافهة التي نسمعها كثيراً من شبابنا؟!

رابعا:اختيار الصحبة الصالحة من أهل اليقظة والهمة العالية في طلب الآخرة

قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ،فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ"

وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً " وتدبر كيف نال كلب أهل الكهف بركة الصحبة الصالحة؛ لأن «من أحب أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل الفضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله»

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ".واعلم أن كل صحبة لا تبنى على تقوى اله فإنها تنقلب يوم القيامة إلى عداوة,كما قال تعالى" الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ"فاختر لنفسك أخي المسلم صاحباً,وكما يقولون:الصاحب ساحب!

خامساً:طلب العلم الشرعي

العلم دواء لصاحبه من كل الأمراض القلبية-إن شاء الله- العلم نجاة في زمن عمت فيه الفتن وطمت,العلم هو المصباح في زمن أظلمت فيه دروب الناس وقلوبهم إلا من رحم ربي.

قال الإمام الآجري: «فَمَا ظَنُّكُمْ ـ رَحِمَكُمُ اللَّهُ ـ بِطَرِيقٍ فِيهِ آفَاتٌ كَثِيرَةٌ , وَيَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى سُلُوكِهِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِصْبَاحٌ وَإِلَّا تَحَيَّرُوا , فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُمْ فِيهِ مَصَابِيحَ تُضِيءُ لَهُمْ , فَسَلَكُوهُ عَلَى السَّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ , ثُمَّ جَاءَتْ طَبَقَاتٌ مِنَ النَّاسِ لَابُدَّ لَهُمْ مِنَ السُّلُوكِ فِيهِ , فَسَلَكُوا , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ طُفِئَتِ الْمَصَابِيحُ , فَبَقُوا فِي الظُّلْمَةِ , فَمَا ظَنُّكُمْ بِهِمْ؟ هَكَذَا الْعُلَمَاءُ فِي النَّاسِ.

قال علي بن أبي طالب: يا كميل بن زياد! القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، العلم يزكو على الإنفاق، والمال تنقصه النفقة، العلم حاكم والمال محكوم عليه، ومحبة العلم دين يدان بها، العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، وصنيعة المال تزول بزواله، مات خزَّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.

سادساً:الدعاء والتضرع إلى الله:

عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُه كَيْفَ يَشَاءُ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، اصْرِفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ "فالدعاء سلاح المؤمن وملاذه فعلينا أن نتضرع إلى الله عز وجل أن يصلح قلوبنا وينجنا من الغفلة.

وأخيراً:رسالة لمن أصر على الغفلة ولم يفق؟!

• يا حليف النوم والوسادة، يا أسير الشهوات وقد نسي مَعَادَه، يا قليل الزاد مع قُربِ مماته، أما آن لك أن تفِيق من تلك الرُقَادة، لقد ربح القوم وأنت نائم، وَخِبْتَ ورجعوا بالغنائم، بالليل نائم وبالنهار هائم وتعيش عيش البهائم، ثم تدعي أنك فاهم وأنت لا شك واهم.

• يا مَنْ شاب وما تاب، أموقنٌ أنت أم مُرْتاب، مَنْ آمن بالسؤالِ فليُعدَّ له جواب، وللجواب صواب.

• يا مَنْ كلما طال عمره زاد ذنبه، يا مَنْ كلما ابيض شَعْرُه اسوَّدَ بالآثام قلبه.

• يا مَنْ ضيَّعَ عمرَه في غير طاعة، يا مَنْ بضاعته التسويف والتفريط فَبِئْسَت البضاعة، إلى متى هذا التسويف، ولا ينفعُ فيك وعظٌ ولا تعنيف، إذا وُعِظت لم تنتفع وإذا رُدِعْتَ لم ترتدع، وإذا لم تجد جواباً قلت لم أقتنع، هذا كتاب الله لو أُنزل على جبلٍ رأيته يتصدع، ومع ذلك فلا قلبٌ لك يخشع ولا عينُ تدمع، أين الخشوع والخضوع أين البكاء وجَرَيانُ الدموع أين التوبةُ والرجوع.

إلى متى هذا التقصير، وإلى البلى المصير، أو ما علمت أن العمر قصير ولم يبق منه إلا اليسير، فتزود للسفر الطويل، ولا تتكلم بغير تفكير ولا تعمل بغير تدبير، ولا يشغلنك أحدٌ عن جد المَسِيْر، ولا تُضَيِّعُ الأوقات النفيسة في الأفعال الخسيسة، الدنيا ساعة فاجعلها طاعة والنفس طماعة فَرَوِّضْهَا القناعة.

سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب إليك.

عدد المشاهدات 70172