هدي النبي صلي الله عليه وسلم في شعبان

2010-09-27

جمال المراكبى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

شهر شعبان من الأشهر القليلة التي يهتم بها المسلمون، فكان سلفنا الصالح يهتمون بصومه اقتداءً برسول الله صلي الله عليه وسلم ، ثم درج الخلف على الاهتمام ببدع ما أنزل الله بها من سلطان، خاصة في ليلة النصف من شعبان، ونحن نعرض لهذا السنن نرغب فيها، ولهذه البدع نحذر منها.

فائدة: سمي شعبان بهذا الاسم لأنهم كانوا يتشعبون في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام أو لتشعبهم في طلب الماء، والأول أولى وأرجح.

1- صوم شعبان:

كان النبي صلي الله عليه وسلم يحتفي بشعبان ويصوم فيه أكثر من غيره من الشهور حتى يُقال لا يفطر، كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم: كان رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان.

وعن عائشة أيضًا رضي الله عنها قالت: لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله، وكان يقول: "خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأحب الصلاة إلى النبي صلي الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قلت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها. [متفق عليه]

وفي رواية لمسلم: "كان لا يصوم من السنة شهرًا تامًا إلا شعبان يصله برمضان".

قال بعض أهل العلم: إما أن يُحمل قول عائشة في صيام شعبان كله على المبالغة، والمراد أنه كان يصوم الأكثر، وإما أن يجمع بين النصوص على أن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول، فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان، وأخبرت ثانيًا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله، وقيل: المراد أنه كان يصوم من أوله تارة، ومن آخره أخرى، ومن أثنائه طورًا فلا يخلي شيئًا منه من صيام، ولا يخص بعضه بصيام دون بعض.

ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله، ويقال: فلان قام ليلته أجمع، ولعله قد تعشي واشتغل ببعض أمره.

2- صوم سرر شعبان:

السرر هي الأيام الأواخر من الشهر سميت بذلك لاستسرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين.

وقيل: سرر الشهر أوله، وقيل: وسط الشهر لأن السرر جمع سرة وسرة الشيء أوسطه، ويؤيده الندب إلى صيام البيض وهي وسط الشهر ولأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب، بل ورد فيه نهي خاص وهو صيام آخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان.

وفي الصحيحين عن عمران بن حصين عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه سأله فقال: هل صمت من سرر هذا الشهر شيئًا، يعني شعبان؟ فقال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين. [اللفظ لمسلم]

ويتبين من جمع روايات هذا الحديث أن السؤال وقع في رمضان، والمسئول عنه سرر شعبان، ولهذا قال في آخره: "فإذا أفطرت" يعني من رمضان فصم يومين عوضًا عن سرر شعبان.

3- النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم. [رواه البخاري]

قال العلماء: معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان.

وقال الترمذي بعد أن أخرج الحديث: العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان، ومثل هذا حديث عمار بن ياسر في صيام يوم الشك ولفظه: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلي الله عليه وسلم .. وكذلك الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا".

وقد قال بعض الشافعية: يحرم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر، وجمهور العلماء يجوزون الصوم تطوعًا بعد نصف شعبان ويضعفون الحديث.

4- الحكمة من صيام شعبان:

ولكن ما الحكمة في إكثار النبي صلي الله عليه وسلم من صوم شعبان؟

قيل: كان ينشغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان، وقد روى في ذلك حديث ضعيف.

وقيل: كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان، وروى في ذلك حديث ضعيف أيضًا، وقيل: كان يكثر من الصوم في شعبان لما يفوته من التطوع في رمضان، فصيام رمضان فريضة، والنبي صلي الله عليه وسلم ما كان يخلي شهرًا من الشهور من صيام تطوع، إلا رمضان فلا تطوع فيه، فكان يكثر من صوم شعبان لما يفوته من التطوع في رمضان.

وأصح ما قيل في ذلك أنه شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان كما في حديث النسائي وأبي داود وابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم".

5- قضاء صوم رمضان في شعبان:

يجوز تأخير القضاء لمن أفطر في رمضان لعذر إلى شعبان، ويحرم تأخير القضاء بعد ذلك لغير عذر شرعي.

وقد كان نساء النبي صلي الله عليه وسلم يؤخرن صيام الأيام التي يفطرنها من رمضان حتى يجيء شعبان فيقضينها فيه وذلك لحاجة رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم .

ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان.

وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان، فلذلك كان لا يتهيأ لها القضاء إلا في شعبان لتصوم معه صلي الله عليه وسلم .

ورد في فضل هذه الليلة وهي الليلة الخامسة عشر من شعبان أحاديث رواها أصحاب السنن كالترمذي وابن ماجه وأحمد وهي أحاديث ضعاف باتفاق أهل العلم، وقد قوى بعضهم بعض هذه الأحاديث بشواهدها.

روى الترمذي عن عائشة قالت: فقدت رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم ليلة فخرجت، فإذا هو بالبقيع، فقال: أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت: يا رسول الله، إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: "إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب".

قال أبو عيسى: حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج بن أرطاة.

وسمعت محمدًا- يعني البخاري- يضعف هذا الحديث وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى.

قال المباركفوري: ورد في ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث مجموعها يدل على أن لها أصلاً، وساق معظم هذه الأحاديث وحكم عليها ما بين منقطع ومرسل وضعيف ولين.

وممن حسن هذه الأحاديث بشواهدها الألباني رحمه الله حيث علق على حديث ابن ماجه: "إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن". فقال: حسن.

وعلى فرض صحة هذه الأحاديث فليس فيها سوى أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيغفر لعدد كبير من خلقه عدا المشرك والمشاحن.

والعجيب أن أهل البدع يتعلقون بمثل هذه الأحاديث فيؤصلون بدعهم كإحداث تخصيص صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته وينسون أن التنزل الإلهي إلى السماء الدنيا يكون في كل ليلة كما في الحديث الصحيح:

"ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفر فأغفر له، هل من داع فأستجيب له، هل من سائل فأعطيه، إلى أن يطلع الفجر".

فهلا تمسكوا بهدي النبي صلي الله عليه وسلم في قيام الليل والحرص على وقت السحر ليتعرضوا لهذه البركات.

بدع الشيعة في ليلة النصف

في موقع للشيعة على شبكة الإنترنت ذكروا:

1- في هذه الليلة تكون زيارة سيدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام فقد روي عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا: إذا كانت ليلة النصف من شعبان نادى مناد من الأفق الأعلى: زائري قبر الحسين بن علي مغفور لكم، ثوابكم على ربكم ومحمد نبيكم.

ومن لم يستطع زيارة الحسين بن علي عليهما السلام في هذه الليلة فليزر غيره من الأئمة عليهم السلام، فإن لم يتمكن من ذلك أومأ إليهم بالسلام، وأحياها بالصلاة والدعاء.

وقد روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان لا ينام في السنة ثلاث ليال: ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقول إنها الليلة التي ترجى أن تكون ليلة القدر، وليلة الفطر ويقول في هذه الليلة يعطى الأجير أجره، وليلة النصف من شعبان، ويقول: في هذه الليلة يفرق كل أمر حكيم.

وقد روي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: إذا كان ليلة النصف من شعبان أذن الله تعالى للملائكة بالنزول من السماء إلى الأرض، وفتح فيها أبواب الجنان وأجيب فيها الدعاء، فليصل العبد فيها أربع ركعات يقرأ في ركعة فاتحة الكتاب مرة، وسورة الإخلاص مائة مرة، فإذا فرغ منها بسط يديه للدعاء، وقال في دعائه: اللهم إني إليك فقير، وبك عائذ، ومنك خائف، وبك مستجير، رب لا تبدل اسمي، ولا تغير جسمي، وأعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ برحمتك من عذابك، إنك كما أثنيت على نفسك، وفوق ما يقول القائلون، صل على محمد وآل محمد، وافعل بي كذا وكذا، ويسأل حوائجه فإن الله تعالى جواد كريم.

وروي أنه من صلى هذه الصلاة ليلة النصف من شعبان غفر الله له ذنوبه، وقضى حوائجه، وأعطاه سؤله.

وهذه البدع التي يروج لها الشيعة ولا أصل لها يروج لها المتصوفة، فقد زعموا أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة النصف من شعبان، والحق الذي لا مراء فيه أنها ليلة القدر التي أنزل الله فيها القرآن بالنص القاطع: [إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمر حكيم]

حديث صلاة مائة ركعة بالإخلاص عشر مرات في كل ركعة في ليلة النصف من شعبان موضوع، كما ذكر القاري ونقله صاحب التحفة المباركفوري.

ومما أحدث في ليلة النصف من شعبان الصلاة الألفية مائة ركعة بالإخلاص عشرًا عشرًا بالجماعة، واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد، ولم يأت بها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع، ولا تغتر بذكر صاحب القوت والإحياء وغيرهما.

وأول حدوث لهذه الصلاة ببيت المقدس سنة 448هـ، وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب شبكة لجمع العوام، ثم إنه أقام الله أئمة الهدى في سعي إبطالها فتلاشى أمرها وتكامل إبطالها في البلاد المصرية والشامية في أوائل سني المائة الثامنة، وكذلك قام مشايخنا في جماعة أنصار السنة المحمدية بإنكار هذه البدع والتحذير منها.

وقيل: أول حدوث الوقيد- إيقاد السرج والنيران- من البرامكة وكانوا عبدة النار فلما أسلموا أدخلوا في الإسلام ما يموهون أنه من سنن الدين ومقصودهم عبادة النيران.

ومن يطالع مجلة التوحيد منذ نشأتها، وقبلها مجلة الهدي النبوي لسان حال جماعة أنصار السنة المحمدية يجد المقالات العديدة التي تحذر الناس من البدع عامة، وهذه البدع بوجه خاص ولا أريد أن أخص شيخًا بعينه، فكلهم قاموا ناصرين للسنة قامعين للبدعة، رحمهم الله رحمة واسعة.والحمد لله رب العالمين.

عدد المشاهدات 5753