تكريم الإسلام للمرأة

2012-03-20

صلاح الدق

تكريم الإسلام للمرأة

المقدمة

الحمدُ لله الذي أضاء بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت حكمته الحكماء، وأبكمت فصاحته الخطباء، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي بعثه اللهُ هادياً ومبشراً نذيراً، وداعياً إلى الله تعالى بإذنه و سراجاً منيرا . أما بعد : فإن الإسلام كرَّم المرأة وأعطاها حقوقها كاملة في جميع مجالات الحياة. وقد تناولت الحديث في هذه الرسالة عن المرأة عند غير المسلمين، والمساواة بين الرجل والمرأة في غالب التكاليف الشرعية، والمساواة بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب، ومساواة المرأة للرجل في الحقوق المادية، وحرية المرأة في التصرف في مالها، وحرية المرأة في اختيار زوجها، ولا يجوز منع المرأة من الزواج بالرجل الكفء، وحق المرأة في مفارقة زوجها،

والحجاب كرامة للمرأة، وشروط الحجاب الشرعي، وصيانة شرف المرأة، ومسئولية المرأة عن رعاية البيت، واهتمام الإسلام بتعليم المرأة، ومكانة أم المؤمنين عائشة العلمية، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يوصي بالنساء خيرا، والإسلام يُحرم قتل النساء في الحروب، ومظاهر قوة شخصية المرأة المسلمة، والإسلام يحترم رأي المرأة، وقبول شفاعة المرأة، والمرأة المسلمة صانعة الأبطال، والمرأة المسلمة مربية العلماء، ثم ختمت الرسالة بقدرة المرأة المسلمة على مواجهة الحاكم الظالم.

أسألُ الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاًَ لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العلم.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

صلاح نـجيب الدق

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المرأة عند غير المسلمين :

سوف نتحدث بإيجاز عن موقف المرأة ومكانتها عند غير المسلمين.

(1) المرأة عند الإغريق :

 كانت المرأة عند الإغريق مُحتَقَرةً، حتى سَموها رِجسًا من عمل الشيطان، وكانت عندهم كسَقَطِ المتاع، تُباع وتُشترى في الأسواق، مسلوبة الحقوق، محرومة من حق الميراث وحق التصرف في المال، ومما يُذكر عن فيلسوفهم (سقراط) قوله: (إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم، إن المرأة تشبه شجرة مسمومة حيث يكون ظاهرها جميلَا، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالًا) (المرأة ـ لمحمد إسماعيل المقدم صـ47)

(2) كان الرومان لا يُوَرِّثُونَ الزوجة من زوجها مطلقاً، وحتى ولو لم يكن له وارث، وكانوا يحرمون الأصول، وفيهم الأم، عند وجود الفروع . (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ262)

(3) المرأة عند الصينيين القدماء :

شُبهت المرأة عند الصينيين بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة والمال، وللصيني الحق في أن يبيع زوجته كالجارية، وإذا ترملت المرأة الصينية أصبح لأهل الزوج الحق فيها كثروة، وتُوَرَّثُ، وللصيني الحق في أن يدفن زوجته حية! (المرأة ـ لمحمد إسماعيل المقدم صـ48)

(4) المرأة عند الهنود :

في شرائع الهندوس أنه: ليس الصبر المقدَّر، والريح، والموت، والجحيم، والسم، والأفاعي، والنار، أسوأ من المرأة .(المرأة ـ لمحمد إسماعيل المقدم صـ49)

(5) المرأة عند الفرس:

أُبيح الزواج بالأمهات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وكانت تُنفى الأنثى في فترة الحيض إلى مكان بعيد خارج المدينة، ولا يجوز لأحد مخالطتها إلا الخدام الذين يُقدمون لها الطعام، وفضلا عن هذا كله فقد كانت المرأة الفارسية تحت سلطة الرجل المطلقة، يحق له أن يحكم عليها بالموت، أو يُنعم عليها بالحياة. (المرأة ـ لمحمد إسماعيل المقدم صـ50)

(6) المرأة عند اليهود:

كانت بعض طوائف اليهود تعتبر البنت في مرتبة الخادم، وكان لأبيها الحق في أن يبيعها قاصرة.(المرأة ـ لمحمد إسماعيل المقدم صـ51:50)

وعندهم أيضاً يرث البكرُ الذَّكر وحده كُلَّ التركة، ولا شيء لأحد غيره من الإناث، لا الأم، ولا البنت، ولا الزوجة.

وإذا كان ورثة الميت ذكوراً، تميز البكر بأخذ ضعف كلٍ من الآخرين، ولا شيء للأب عند الفرع الوارث . وإذا كان للميت بنت فقط، ليس معهن ذكر، كان للمورث أن يُوصي بكل ماله لمن يشاء غيرهن، وأن يحرمهن كلهن . (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ265:263)

(7) المرأة عند العرب في الجاهلية:

 قال الله تعالى : (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) (النحل 59:58)

وأد البنات أحياء :

قال الله تعالى:(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير:9:8)

الموءودة : هي البنت التي تُدفنُ حيةٌ، من الوأد، وهو الثقل، كأنها سُميت بذلك لأنها تُثَقَّل بالتراب حتى تموت.

(الْمَوْءُودَةُ): قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْمَدْفُونَةُ.      (تفسير ابن كثير جـ14صـ263)

قال ابنُ كثير(رحمه الله):(الْمَوْءُودَةُ) هِيَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَدُسُّونَهَا فِي التُّرَابِ كَرَاهِيَةَ الْبَنَاتِ، فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تُسْأَلُ الْمَوْءُودَةُ عَلَى أَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ، لِيَكُونَ ذَلِكَ تَهْدِيدًا لِقَاتِلِهَا، فَإِذَا سُئِلَ الْمَظْلُومُ فَمَا ظَنُّ الظَّالِمِ إِذًا؟! (تفسير ابن كثير جـ14صـ263)

روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ:(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بأَيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، قَالَ: جَاءَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَأَدْتُ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: "أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً". (تفسير ابن كثير جـ14صـ265)

* كان الجاهليون قبل الإسلام، يُوَرِّثُونَ الذكور القادرين على الحرب، فلم يكن للإناث ولا للصبية الصغار ميراث . (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ:262)

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ. (البخاري حديث: 4913)

* لم يكن للمرأة على زوجها أي حق، وليس للطلاق عَدَدٌ محدود، ولا لتعدد الزوجات عَدَدٌ معين، وكانوا إذا مات الرجل وله زوجة وأولاد من غيرها، كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرثاً كبقية أموال أبيه، فإن أراد أن يُعلنَ عن رغبته في الزواج منها طرح عليها ثوبًا، وإلا كان لها أن تتزوج بمن تشاء. (المرأة ـ لمحمد إسماعيل المقدم صـ57)

* قال الإمام ابن جرير الطبري(رحمه الله): إن الرجل في الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه، فإذا مات وترك امرأته، فإن سبق وارِث الميت فألقى عليها ثوبه، فهو أحق بها أن يَنكحها بمهر صاحبه، أو يُنكحها فيأخذ مهرها.وإن سبقته فذهبت إلى أهلها، فهم أحق بنفسها. (تفسير الطبري جـ19صـ107)

(8) المرأة في بلاد الغرب :

إن المرأة في بلاد الغرب خرجت إلى المصنع والمتجر وغيرهما مجبورةٌ لا مختارة، تسوقها الحاجة إلى القوت، والاضطرار إلى لقمة العيش، بعد أن نكل الرجل عن إعالتها، في مجتمع قاس لا يرحم صغيراً لصغره، ولا أنثى لأنوثتها، وقد أغنانا الله بنظام النفقات في شريعتنا عن مثل هذا .وعمل المرأة عند الأجانب لإعالة نفسها واجب عليها متى وصلت سن البلوغ مهما كان الأب غنياً مُوسراً، فحُرِمَ غير المسلمين من نظام النفقة الواجبة التي جاء بها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- المبعوث رحمة للعالمين . (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ:372)

المساواة بين الرجل والمرأة في غالب التكاليف الشرعية:

قال سبحانه :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا .) (الأحزاب : 36)

وقال جل شأنه :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .) (التوبة :71)

أجمع العلماء على أن كل خطاب مُوجهٌ من الله تعالى للرجال هو مُوجهٌ إلى النساء أيضاً إلا ما دل الدليل على أنه خاص بالرجال دون النساء أو كان خاصاً بالنساء فقط .

المساواة بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب:

قال تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) ( النساء :124)

وقال سبحانه:(وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:72)

وقال جل شأنه:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)

وقال تعالى:(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (غافر:40)

روى ابنُ حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ." (حديث صحيح)(صحيح الجامع الصغير للألباني حديث:660)

مساواة المرأة للرجل في الحقوق المادية :

أكد الإسلام احترام شخصية المرأة المعنوية، وسَوَّاها بالرجل في أهلية الوجوب والأداء، وأثبت لها حقها في التصرف، ومباشرة جميع العقود : كحق البيع، وحق الشراء، وحق الدائن، وحق المدين، وحق الراهن، وحق المرتهن، كذلك حق الوكالة، والإجارة، والاتجار في المال الخاص، وما إلى ذلك، وكل هذه الحقوق المدَنِيَّة واجبة النفاذ .ولقد أطلق الإسلام للمرأة حرية التصرف في هذه الأمور بالشكل الذي تريده، دون أية قيود تقيد حريتها في التصرف، سِوى القيد الذي يقيد الرجل نفسه فيها، ألا وهو قيد المبدأ العام : أن لا تصدم الحرية بالحق أو الخير . فلها أن تملك الضياع، والدور، وسائر أصناف المال بكافة أسباب التملك، ولها أن تمارس التجارة، وسائر تصرفات الكسب المباح، ولها أن تضمن غيرها، وأن يضمنها غيرها، وأن تهب الهبات، وأن تُوصي لمن تشاء من غير ورثتها، وأن تخاصم غيرها على القضاء لها أن تفعل ذلك ونحوه بنفسها، أو بمن تُوَكله عنها باختيارها.  (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ126:125)

حرية المرأة في التصرف في مالها:

يجوز للمرأة أن تتصرف في مالها الخاص بها، بدون الحصول على إذن زوجها، بشرط الإنفاق بالمعروف في طاعة الله تعالى.

روى الشيخانِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الحَارِثِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا(زوجة نبينا -صلى الله عليه وسلم-) أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي(جاريتي)، قَالَ: «أَوَ فَعَلْتِ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ.» (البخاري حديث:2592 / مسلم حديث:999)

حرية المرأة في اختيار زوجها :

أنصف الإسلام المرأة في كل جوانب حياتها فجعل موافقتها على الزواج شرطاً من شروط صحة العقد، وأعطاها الإسلام الحق في فسخ عقد الزواج إذا زَوَّجَها أبوها أو ولي أمرها بغير رضاها، ذلك لأن الزواج عقد الحياة فيجب أن يتوافر فيه رضا الطرفين .

روى البخاريُّ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَرَدَّ نِكَاحَهَا. ( البخاري حديث 5138 )

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ . (البخاري حديث 5136 / مسلم حديث 1419 )

قال الإمام ابن القيم(رحمه الله):

 لَا تُجْبَرُ الْبِكْرُ الْبَالِغُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِرِضَاهَا، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَمَذْهَبُ أبي حنيفة، وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَلَا نَعْتَقِدُ سِوَاهُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَقَوَاعِدِ شَرِيعَتِهِ، وَمَصَالِحِ أُمَّتِهِ.  (زاد المعاد لابن القيم جـ5صـ96)

لا يجوز منع المرأة من الزواج بالرجل الكفء:

قال جَلَّ شأنه: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) (البقرة: 232)

العَضْل:منع المرأة من تزويجها بكفئها، إذا طلبت ذلك، ورغب كلٌ واحدٍ منهما في صاحبه.

قال الإمام ابن تيمية(رحمه الله):الْمَرْأَةُ الْبَالِغُ إِذَا رَضِيَتْ رَجُلًا وَكَانَ كُفُؤًا لَهَا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهَا - كَالْأَخِ ثُمَّ الْعَمِّ - أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ فَإِنْ عَضَلَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ مِنْهُ أَوْ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى نِكَاحِ مَنْ لَا تَرْضَاهُ؛ وَلَا يَعْضُلُهَا عَنْ نِكَاحِ مَنْ تَرْضَاهُ إذَا كَانَ كُفُؤًا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 32 صـ53:52)

قال الإمام النووي (رحمه الله):لَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ تَزْوِيجَهَا كُفُؤًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَرْ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كُفُؤًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ أُجْبِرَ فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي. (مسلم بشرح النووي جـ5صـ221)

حق المرأة في مفارقة زوجها:

إذا وجدت المرأة صعوبةً في الاستمرار في حياتها الزوجية، وتمسكت المرأة بحقها في مفارقة زوجها، فلا حرج في ذلك، لأن الإسلام قد أعطاها ذلك الحق، وهو ما يُسمى بالْـخُلْعِ.

روى البخاريُّ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً.» (البخاري حديث: 5273 )

* (مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ):لا أعيبه ولا ألومه. (أَكْرَهُ الكُفْرَ) أي أن أقع في أسباب كفران العشير، مِن سُوء العشرة مع الزوج ونقصانه حقه .

الحجاب كرامة للمرأة:

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59)

 قال سبحانه وتعالى: ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ( الأحزاب 32 : 33)

قال ابن كثير: هذه آداب أَمَرَ الله تعالي بها نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ونساء الأمة تبع لهن في ذلك. ( تفسير ابن كثيرجـ11 صـ150 )

قال مقاتل بن حيان: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)، التبرج :أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشدُّه فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله.. (تفسير ابن كثير جـ 11 صـ 152 )

إن الله تعالى قد خَلَقَ المرأةَ ورزقها الصحة، وفرض عليها الحجاب، صيانة لها وحفظاً لكرامتها من أعين الرجال، فهي كالجوهرة الثمينة المكنونة إذا حافظت على حِجابها وسترت عَورتها، وحرصت على طاعة الله تعالى ورسوله-صلى الله عليه وسلم-.

شروط الحجاب الشرعي :

(1) استيعاب جميع البدن.

(2) أن لا يكون الحجاب زينة في نفسه.

(3) أن يكون سميكا ً، لا يشف، ولا يُظهر ما تحته.

(4) أن يكون واسعاً فضفاضاً، لا يحدد شيئاً من جسد المرأة.

(5) أن لا يكون الثوب معطراً.

(6) أن لا يشبه ملابس الرجال المعتادة.

(7) أن لا يكون الحجاب لباس شهرة.

(8) أن لا يشبه ثياب غير المسلمات.

(حجاب المرأة المسلمة للألباني صـ 15 )

 روى أحمدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: جَاءَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ:أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقِي وَلَا تَزْنِي وَلَا تَقْتُلِي وَلَدَكِ وَلَا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ وَلَا تَنُوحِي وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى. .(حديث صحيح لغيره)(مسند أحمد جـ11 صـ 437 حديث: 6850)

صيانة شرف المرأة :

روى مسلمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟(أقارب الزوج) قَالَ: «الْحَمْوُ: الْمَوْتُ.» (مسلم حديث: 2172)

روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسولُ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ.» (مسلم حديث: 1341)

روى الترمذيٌّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بنِ الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ.( حديث صحيح)( صحيح الترمذي للألباني حديث1758)

مسئولية المرأة عن رعاية البيت :

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بنِ الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. (البخاري حديث: 2558)

اهتمام الإسلام بتعليم المرأة:

إن من تكريم الإسلام للمرأة المسلمة أن جعل التعلم والتعليم حقٌ للرجل و المرأة على السواء، ولم يخص بها الرجال دون النساء .

قال تعالى :( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .) (المجادلة :11) وقال سبحانه(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ .) (الزمر:9)وقال جل شأنه تعالى :(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ). (طه:114)

روى مسلمٌ عن أبي هريرة أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ.( مسلم حديث 2699 )

روى البخاريُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا، إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ.» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: «وَاثْنَتَيْنِ» (البخاري حديث: 101)

قال الإمام: ابنُ حجر العسقلاني(رحمه الله): وَفِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ نِسَاءُ الصَّحَابَة من الْحِرْص على تعلم أُمُورِ الدِّينِ.(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ1صـ237)

 روى الترمذيُّ عن أبي الدرداء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) (حديث صحيح ) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2159)

هذه النصوص وغيرها كلها شاملة للرجل والمرأة على السواء، وهكذا كان نساء الجيل الأول من الصحابة، فهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تضرب أروع الأمثلة لطالبات العلم والمتسابقات فيه، حتى إنها أكثر الصحابة رضي الله عنهم رواية للحديث، ومرجعاً لهم في كثير من المسائل، واستدركت على بعض الصحابة في بعض الأحكام .

مكانة أم المؤمنين عائشة العلمية :

تبوأت أم المؤمنين عائشة، زوجة نبينا -صلى الله عليه وسلم- مكانةً عِلمية رفيعة جعلتها من علماء عصرها، و المرجع العلمي الذي يرجعون إليه فيما يغمض عليهم من مسائل القرآن الكريم و الحديث والفقه، فيجدون عندها الجواب الشافي لجميع تساؤلاتهم و استفساراتهم .

(1) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ:مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا. (حديث صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث 3044)

(2) روى ابنُ أبي شيبة عَنْ عروة بن الزبير، قَالَ : مَا رَأَيْت أَحَدًا أَعْلَمَ بِفَرِيضَةٍ (علم المواريث)، وَلاَ أَعْلَمَ بِفِقْهٍ وَلاَ بِشِعْرٍ : مِنْ عَائِشَةَ. (إسناده صحيح) (مصنف ابن أبي شيبة جـ 10صـ 248)

(3) قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 2صـ 185)

(4)روى ابنُ أبي شيبة عَنْ مَسْرُوقٍ : أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : هَلْ كَانَتْ عَائِشَةُ تُحْسِنُ الْفَرَائِضَ؟(عِلم المواريث)، فَقَالَ : إي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْت مَشْيَخَةَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- الأَكَابِرَ يَسْأَلُونَهَا، عَنِ الْفَرَائِضِ ؟(إسناده صحيح) (مصنف ابن أبي شيبة جـ 10صـ 248)

(5) قال ابنُ كثير: تفردت أم المؤمنين عائشة بمسائل عن الصحابة لم تُوجد إلا عندها. (البداية و النهاية لابن كثير جـ 8صـ 96)

نبينا -صلى الله عليه وسلم- يوصي بالنساء خيراً:

روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ في حجة الوداع : اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.(مسلم حديث: 1218)

روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:«أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ.» (حديث حسن صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث 928)

الإسلام يُحرم قتل النساء في الحروب :

روى الشيخانِ عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، «فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.»(البخاري حديث: 3015/مسلم حديث: 1744)

قوة شخصية المرأة المسلمة :

زعم أعداءُ الإسلام أن المرأة المسلمة مسلوبة الشخصية والإرادة، وهذا افتراءٌ واضحٌ على الإسلام، فنقول وبالله تعالى التوفيق:

إن الإسلامُ كرَّم المرأة وجعل لها شخصية مستقلة عن الرجل، وتتضح مظاهر قوة شخصية المرأة المسلمة فيما يلي:

(1) المرأة شاركت الرجل في الهجرة إلى الحبشة:

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا، عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ. (البخاري حديث: 4230/مسلم حديث:2502)

(2) المرأة شاركت الرجل في الهجرة إلى المدينة :

روى البخاريُّ عن المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَتِ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ، وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا. (البخاري حديث: 2711)

(3) المرأة شاركت الرجل في الجهاد في سبيل الله :

روى مسلمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا، فَيَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى.» (مسلم حديث:1810)

روى البخاريُّ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَنَسْقِي القَوْمَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الجَرْحَى وَالقَتْلَى إِلَى المَدِينَةِ.» (البخاري حديث: 2883)

روى مسلمٌ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى.» (مسلم حديث:1812)

(4) المرأة المسلمة تبايع نبينا -صلى الله عليه وسلم- :

قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الممتحنة:12)

الإسلام يحترم رأي المرأة:

روى البخاريُّ عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- من كتابة صلح الحديبية مع سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا. (البخاري حديث:2731)

انظر، أخي المسلم الكريم، كيف احترم نبينا-صلى الله عليه وسلم- رأي أم سلمة وعمل به، فكان خيراً وبركة على المسلمين.

قبول شفاعة المرأة:

احترم الإسلامُ المرأةَ وأعطى لها حق حماية الرجل الكافر، وضمان الأمان له، فإذا أجارت المرأةُ المسلمةُ أحداً، وجب على المسلمين احترام عهدها.

(1) أُمّ هَانِئِ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تجير رجلاً من المشركين :

روى الشيخانِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ:ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟»، فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ»، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»، قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ:وَذَلِكَ ضُحًى. (البخاري حديث: 3171/ مسلم حديث:336 )

(2) زَيْنَبُ بنت رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تجير أَبِا الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ:

أَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَكَّةَ، وَأَقَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ، حِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ، حَتَّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ، خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشَّامِ، وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا، بِمَالٍ لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبْضَعُوهَا مَعَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ قَافِلًا، لَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ، وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا، فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ، أَقْبَلَ أَبُو الْعَاصِ تَحْتَ اللَّيْلِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَاسْتَجَارَ بِهَا، فَأَجَارَتْهُ، وَجَاءَ فِي طَلَبِ مَالِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إلَى الصُّبْحِ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ، صَرَخَتْ زَيْنَبُ مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ. قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ الصَّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسِ، هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ، إنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يَخْلُصُنَّ إلَيْكَ، فَإِنَّكَ لَا تَحِلِّينَ لَهُ.بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إلَى السَّرِيَّةِ الَّذِينَ أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدُّوا عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ، فَقَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، حَتَّى رَدُّوا عَلَيْهِ مَالَهُ بِأَسْرِهِ، لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمَّ احْتَمَلَ إلَى مَكَّةَ، فَأَدَّى إلَى كُلِّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَالَهُ، وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ، قَالُوا: لَا. فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا قَالَ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلَّا تَخَوُّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ، فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. رَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-زَيْنَبَ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا، وذلك بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ. (سيرة ابن هشام جـ 2صـ264:262)

المرأة المسلمة صانعة الأبطال:

تُماضر بنت عمرو السلمية ( الخنساء ) :

شَهِدَتْ الْخَنْسَاءُ حَرْبَ الْقَادِسِيَّةِ، وَمَعَهَا أَرْبَعَةُ بَنِينَ لَهَا فَقَالَتْ لَهُمْ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ: يَا بُنِيَّ إِنَّكُمْ أَسْلَمْتُمْ طَائِعِينَ، وَهَاجَرْتُمْ مُخْتَارِينَ، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَبَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ، كَمَا أَنَّكُمْ بَنُو امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مَا خُنْتُ أَبَاكُمْ، وَلَا فَضَحْتُ خَالَكُمْ، وَلَا هَجَّنْتُ حَسَبَكُمْ، وَلَا غَيَّرْتُ نَسَبَكُمْ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ فِي حَرْبِ الْكَافِرِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الدَّارَ الْبَاقِيَةَ خَيْرٌ مِنَ الدَّارِ الْفَانِيَةِ، وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200)، فَإِذَا أَصْبَحْتُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ سَالِمِينَ، فَاغْدُوا إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ مُسْتَبْصِرِينَ، وَبِاللهِ عَلَى أَعْدَائِهِ مُسْتَنْصِرِينَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْحَرْبَ قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا، وَاضْطَرَمَتْ لَظًى عَلَى سِبَاقِهَا، وَجَلَّلَتْ نَارًا عَلَى أَرْوَاقِهَا، فَيَمِّمُوا وَطِيسَهَا، وَجَالِدُوا رَئِيسَهَا عِنْدَ احْتِدَامِ خَمِيسِهَا(جيشها)، تَظْفَرُوا بِالْغُنْمِ، وَالْكَرَامَةِ فِي دَارِ الْخُلْدِ وَالْمُقَامَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْقِتَالُ فِي الْغَدِ كَانَ يَهْجُمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَقُولُ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ وَصِيَّةَ الْعَجُوزِ وَيُقَاتِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَلَمَّا بَلَغَهَا خَبَرُ قَتْلِهِمْ كُلِّهِمْ قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَنِي بِقَتْلِهِمْ، وَأَرْجُو رَبِّي أَنْ يَجْمَعَنِي بِهِمْ فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ.وكان عمر بن الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُعطي الخنساء بنت عمرو خراج أولادها الأربعة حتى مات. ( صفة الصفوة لابن الجوزي جـ4 صـ385: صـ387)

المرأة المسلمة مربية العلماء :

(1) أم سفيان الثوري : قال وكيع بن الجراح :

قالت أم سفيان الثوري لسفيان : يا بُني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي . وقالت : يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك فإن لم يزدك فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك . (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ3 صـ189 )

(2) أم محمد بن إدريس الشافعي :

وُلد الإمام الشافعي بغزة ومات أبوه إدريس شاباً فنشأ الشافعي يتيماً في حجر أمه فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظ موطأ الإمام مالك، وهو ابن عشر سنين وطلب العلم حتى أصبح مذهبه أحد المذاهب الأربعة المشهورة .( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12 صـ6: 11)

(3) أم أحمد بن حنبل :

 كان والد أحمد بن حنبل من أجناد مَرو، مات شاباً وله نحو من ثلاثين سنة، فقامت أم أحمد على تربيته وحثته على حفظ القرآن وطلب الحديث، فطلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان عدد شيوخه الذين روى عنهم في المسند أكثر من مائتين وثمانين شيخاً .

روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائي . والإمام أحمد صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة.(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ11 صـ177: 183)

(4) أم محمد بن إسماعيل البخاري :

مات والد البخاري وهو صغير فنشأ في حجر أمه وفَقَدَ بصره وهو صغير، فرأت أمه الخليل إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- في المنام يخبرها بأن الله تعالى رد على البخاري بصره لكثرة دعائها له، فاهتمت به أمه اهتماماً كبيراً وألهمه الله تعالى حفظ الحديث وعمره عشر سنوات، ولما بلغ السادسة عشرة خرج حاجاً مع أمه وأخيه، وبعد أداء الحج تخلَّفَ بمكة في طلب الحديث، وفي سن الثامنة عشرة صنف في قضايا الصحابة والتابعين وأقوالهم وكان للبخاري أكثر من ألف شيخ وجمع كتابه الصحيح من ستمائة ألف حديث مسموعة . (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12 صـ391: 415)

المرأة المسلمة تواجه الحاكم الظالم :

لمَّا قَتَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ صَلَبَهُ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ بِهِ عبدُ الله بْنُ عُمَرَ، فوقف فقال: السَّلامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ عَدُوِّ اللَّهِ(يعني الحجاج بن يوسف)، أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إلا أنك كُنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا، ثُمَّ اسْتَنْزَلَهُ الْحَجَّاجُ فَرَمَى بِهِ فِي مَقَابِرِ الْيَهِودِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أُمِّهِ(أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهَا أَنْ تَأْتِيَهُ، فَأَبَتْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ حَتَّى يَأْتِيَنِي بِكِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: إِنِّي وَاللَّهِ لا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ من يسحبني بقروني، فأتاه رسوله فأخبره، فقال: يا غلام، ناولني سبتيتي، فَنَاوَلَهُ نَعْلَيْهِ فَانْتَعَلَ ثُمَّ خَرَجَ مسرعاً حَتَّى أَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ؟ قَالَتْ:

رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُعَيِّرُهُ فَتَقُولُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ والله ذات النِّطَاقَيْنِ:أَمَّا أَحَدُهُمَا فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لا تستغني عنه، وأما النطاق الآخر فإنّي كنت أَرْفَعُ فِيهِ طَعَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَطَعَامَ أَبِي مِنَ النَّمْلِ وَغَيْرِهِ، فأي ذلك ويل أمك عيّرته به، أما إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفَ رَجُلانِ: كذاب، ومبير(أَيْ مُهْلِكٌ: يُسْرف فِي إهْلاك النَّاسِ). فأما الكذاب فقد رَأَيْنَاهُ ابْنَ أَبِي عُبَيْدٍ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَأَنْتَ ذَلِكَ، فَوَثَبَ فَانْصَرَفَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا.(المنتظم في تاريخ الملوك لابن الجوزي جـ6صـ139)

أسألُ الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاًَ لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العلم.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

فهرس الموضوعات

المرأة عند غير المسلمين

والمساواة بين الرجل والمرأة في غالب التكاليف الشرعية

المساواة بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب

مساواة المرأة للرجل في الحقوق المادية

حرية المرأة في التصرف في مالها

حرية المرأة في اختيار زوجها

لا يجوز منع المرأة من الزواج بالرجل الكفء

حق المرأة في مفارقة زوجها

الحجاب كرامة للمرأة

شروط الحجاب الشرعي

صيانة شرف المرأة

مسئولية المرأة عن رعاية البيت

اهتمام الإسلام بتعليم المرأة

مكانة أم المؤمنين عائشة العلمية

نبينا -صلى الله عليه وسلم- يوصي بالنساء خيرا

الإسلام يُحرم قتل النساء في الحروب

ومظاهر قوة شخصية المرأة المسلمة

الإسلام يحترم رأي المرأة

قبول شفاعة المرأة

المرأة المسلمة صانعة الأبطال

المرأة المسلمة مربية العلماء

المرأة المسلمة تواجه الحاكم الظالم

عدد المشاهدات 9943