حقوق الأيتام في الإسلام

2011-12-16

صلاح الدق

حقوق الأيتام في الإسلام

الحمد لله، الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:فإن للأيتام منزلةٌ عظيمة في الإسلام من أجل ذلك أردت أن أُذَكِّرَ إخواني الكرام بحقوق الأيتام في الإسلام .

فأقول وبالله تعالى التوفيق:

لماذا نتحدث عن الأيتام ؟

اليتيم هو طفل اليوم ورَجُل الغد، وإذا كانت سلوكيات كل إنسان أسيرة توجيهات وُجه بها في صِغره، فيجب علينا أن نحيط هذا اليتيم بمزيد من الاهتمام والعناية، فإن اليتيم إذا أخذ حقه من التربية الطيبة والتوجيه السديد، كان له الأثر الطيب في المجتمع، وإذا أُهمل هذا اليتيم في صغره، ونشأ تنشئة سيئة فإنه يكون خطراً على مجتمعه، ولذلك اهتم القرآن الكريم ، مكيه ومدنيه، بالوصية باليتيم، من حيث تربيته، وحُسنِ معاملته، والمحافظة على ماله، وعدم امتداد الأيدي إليه إلا بالخير، وجاءت السُّنةُ مؤكدة ومفصلة لما جاء في القرآن الكريم، فالقرآن والسُّنة لم يتركا شيئاً دقيقاً يتعلق بأمر اليتيم إلا وبيناه حتى إنهما لم يتركا استدراكاً لأي مستدرِك، ولقد سبق القرآن بذلك كل العلوم الإنسانية الحديثة التي لم تأت إلا بقليل من كثير وغيض من فيض، وذرة من جبل، وأين هذه التعاليم المبتورة القاصرة بجانب تعاليم الحكيم الخبير، الذي ما فرَّط في القرآن من شيء . ( آداب معاملة اليتيم صـ5)

معنى اليتيم

اليتيم في اللغة : اليتم : الانفراد . واليتيم : الفرد، والجمع : أيتام ويتامى ويتيمة . واليتم في الناس من قِبل الأب وفي البهائم من قِبل الأم، ولا يُقالُ لمن فقد الأم من الناس يتيم، ولكن منقطع، واللطيم : الذي يموت أبواه، وكل شيئ مفرد بغير نظيره، فهو يتيم، يُقالُ : درةٌ يتيمةٌ .(لسان العرب جـ6 صـ4948/ مختار الصحاح صـ741)

اليتيم في الشرع : هو الصغير الذي فقد أباه .

متى يزول اسم اليتيم عن الإنسان ؟

إذا بلغ الإنسان الحُلُم وأصبح قادراً على أن يكسب قوت يومه معتمداً في ذلك على الله تعالى ثم على نفسه، فقد زال عنه اسم اليتيم .

روى أبو داود عن عَلِيٍ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال : حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ. ( حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2497 ) .

معنى كفالة اليتيم

 هي تربيته وتأديبه والقيام بأموره والسعي في مصالحه من طعامه وكسوته وتنمية ماله إن كان له مال، وإن كان لا مال له، أنفق عليه وكساه ابتغاء وجه الله تعالى. ( الكبائر للذهبي صـ72 )

 وكافل اليتيم : هو القائم بأمره ومصالحه . (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ10 صـ451)

فائدة : جاء لفظ اليتيم بمشتقاته المختلفة في القرآن الكريم ثلاثاً وعشرين مرة . (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن صـ770 )

اقتران توحيد الله بالإحسان إلي الأيتام

 قال الله تعالى( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء:36)

كفالة الأيتام وإصلاح أحوالهم من البر

 قال الله تعالى :( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة:177)

قال سبحانه: ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:220)

روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :لمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا )

الْآيَةَ انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ فَجَعَلَ يَفْضُلُ مِنْ طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِ. ( حديث حسن ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2495)

حق الأيتام الفقراء في أموال الغنائم والفيئ

 جعل الله تعال لليتامى حقاً في أموال الغنائم والفيئ وذلك حتى يستفيدوا من هذا المال في إصلاح شئون حياتهم .

 قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (لأنفال:41) .

الفرق بين الغنائم والفيئ : الغنائم ما أخذه المسلمون بالسعي والقتال من أموال الكفار المحاربين قهراً لهم وغلبة قليلاً كان أو كثيراً. الفيئ : كل مال دخل على المسلمين بغير حرب مثل أموال يهود بني النضير (تفسير القرطبي جـ18 صـ17 ) .

الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يحثنا على كفالة الأيتام

حثنا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رعاية الأيتام وكفالتهم في كثير من أحاديثه الشريفة وسوف نذكر بعضاً منها : روى البخاري عن سهل بن سعد قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا . البخاري حديث 5304) .

 قال ابن بطال : حقٌ على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك . (فتح الباري لابن حجر جـ1 صـ451) .

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  :كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى . ( مسلم حديث 2983 ) . قال الإمام النووي : قَوْله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( كَافِل الْيَتِيم ) الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ ، وَهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه ، أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة .وَأَمَّا قَوْله : ( لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ) فَاَلَّذِي لَهُ أَنْ يَكُون قَرِيبًا لَهُ كَجَدِّهِ وَأُمّه وَجَدَّته وَأَخِيهِ وَأُخْته وَعَمّه وَخَاله وَعَمَّته وَخَالَته وَغَيْرهمْ مِنْ أَقَارِبه ، وَاَلَّذِي لِغَيْرِهِ أَنْ يَكُون أَجْنَبِيًّا. ( مسلم بشرح النووي جـ9 صـ339: 340) . والأجنبي من ليس بينه وبين اليتيم قرابة .روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قال : إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ فَهُوَ كَالْآكِلِ الَّذِي لَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ .(البخاري حديث 2842 )

روى الشيخانِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي أَبِي سَلَمَةَ إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ؟ فَقَالَ: أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ فَلَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ . ( البخاري حديث 1467) .( مسلم حديث 1001)

روى الشيخانِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَتْ : كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فَقَالَ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا قَالَ فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ سَلْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حَجْرِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا سَلْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي وَقُلْنَا لَا تُخْبِرْ بِنَا فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنْ هُمَا قَالَ زَيْنَبُ قَالَ أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ . قَالَ: نَعَمْ. لَهَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ . ( البخاري حديث 1466 / مسلم حديث 1000 ) .

التحذير من ظلم الأيتام وأكل أموالهم بالباطل

 قال الله تعالى :( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء:34 ) .

وقال سبحانه: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) (النساء:2)

قال ابن كثير: يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحُلُم كاملة موفرة، وينهى عن أكلها وضَمِّها إلى أموالهم؛ ولهذا قال: ( وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ) ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ3 صـ336 )

فائدة مهمة : نبهنا الله تعالى إلى شيء خطير قد يتسرب إلى النفوس وهو أن الوصي قد يعطي اليتيم من ماله الخبيث ويأخذ مكانه مال اليتيم الطيب ويعتقد أنه قد أدى ما عليه .

 قال الله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (النساء:6) .

سبب نزول هذه الآية : روى البخاريُّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ( وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوف . (البخاري حديث 2765)

كيفية الأخذ بالمعروف من أموال الأيتام

للعلماء في صفة الأكل بالمعروف من أموال اليتامى : أربعة أقوال : (1) الأخذ من مال اليتيم على سبيل القرض الحسن . (2) الأخذ من مال اليتيم بقدر الحاجة من غير إسراف . (3) الأخذ من مال اليتيم بقدر الأجرة إذا عمل لليتيم عملاًَ . (4) الأخذ من مال اليتيم عند الضرورة فإذا أيسر ورزقه الله بالمال قضى هذا الدين لليتيم، وإذا لم يُوسر فهو في حِل . (زاد المسير لابن الجوزي جـ2 صـ16 ) .

روى ابنُ ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فَقَالَ لَا أَجِدُ شَيْئًا وَلَيْسَ لِي مَالٌ وَلِي يَتِيمٌ لَهُ مَالٌ. قَالَ: كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ مَالًا. قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَلَا تَقِي مَالَكَ بِمَالِهِ . ( ولا متأثل : أى و لا متخذ من أصل ماله للتجارة ونحوها )  ( حديث حسن صحيح ) ( صحيح ابن ماجه للألباني حديث 2198)

وقال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء:10)

 قال السُدي: يُبعثُ آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه، ومن مسامعه وأنفه وعينيه، يعرف كل رآه بآكل مال اليتيم. ( تفسير ابن كثير جـ3 صـ 366)

 روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قَالَ : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ .( البخاري حديث 2766 )

كفالة زكريا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمريم عليها السلام

 قال الله تعالى : ( إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران: 37:35)

يخبرنا الله تعالى أن تقبل مريم ابنة عمران، التي نذرتها أمها لعباده الله تعالى وخدمة المسجد الأقصى، فأنبتها نباتاً حسناً، حيث جعل لها شكلاً مليحاً ومنظر بهيجاً ويسر لها أسباب القبول، وقرنها بالصالحين من عباده، تتعلم منهم العلم والخير والدين، جعلها الله تعالى في كفالة زكريا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وذلك لأن مريم كانت يتيمة، وذلك لتقتبس منه علماً جماً نافعاً وعملاً صالحاً، لأنه كان زوج خالتها، وقيل أنه كان زوج أختها، وقد قام زكريا بكفالة مريم ورعايتها خير قيام . ( تفسير القرطبي جـ4 صـ76)

نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  خير الأيتام المكفولين

في سيرة نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما تطيب به قلوب الأيتام في كل مكان وزمان فقد مات أبوه قبل أن يُولد، فنشأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  في كفالة جده عبد المطلب فنال من رعاية جده ما عوضه عن فقد أبيه . فلما مات جده وكان عمْر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثماني سنوات كفله عمه أبو طالب وضمه إلى أولاده، وقدمه عليهم واختصه بفضل واحترام، فكان أبو طالب لا ينام إلا ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  إلي جواره، وكان كثيراً ما يصطحبه في أسفاره . لقد كانت العرب تعرف ذلك وتتحدث به وتعرف وفاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  لمن قام بكفالته، وهذا ما جعل رجل من قبيلة هوازن يُقالُ له زُهير يخاطب به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مستشفعاً في أموال هوازن ونسائها قائلاً : يا رسول الله إنما في الحظائر، عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ولو أنا مَلحنا ( أى أرضعنا) للحارث بن أبي شمر، أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته علينا، وأنت خير المكفولين . فما كان من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  إلا أنه وَفى لمن كفله وقام برعايته حق كافليه قائلاً : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم . ( سيرة ابن هشام جـ1 صـ149/جـ4 صـ116: 117) نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  خير من كفل الأيتام

كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يتزوج الأرامل ومن في رعايتهن أيتام وذلك من أجل القيام عليهن وعلى مصالح أولادهن كما حدث عندما تزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  أم سلمة رضي الله عنها ، وكان أولادها، عمر وسلمة وزينب ودُرَّة، أيتام في حجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قام بكفالتهم وأحسن رعايتهم .

روى مسلمٌ عن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ. ( مسلم حديث 2022 )

روى أحمدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  جَيْشًا اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ أَوْ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ أَوْ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَتَى خَبَرُهُمْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ وَإِنَّ زَيْدًا أَخَذَ الرَّايَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ أَوْ اسْتُشْهِدَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ أَوْ اسْتُشْهِدَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ أَوْ اسْتُشْهِدَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْهَلَ ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ ادْعُوا لِي ابْنَيْ أَخِي قَالَ فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ فَقَالَ ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلَّاقَ فَجِيء بِالْحَلَّاقِ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا ( أى رفعها) فَقَالَ اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللَّهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ قَالَ فَجَاءَتْ أُمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ (تغتم) فَقَالَ الْعَيْلَةَ ( الفقر والحاجة ) تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. ( حديث صحيح ) ( مسند أحمد جـ3 صـ279 رقم1750)

اهتمام الصحابة بالأيتام

اهتم أصحاب نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  اهتماماً كبيراً بالأيتام، اقتداءً بنبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسوف نذكر بعضاً منهم :

(1) عمر بن الخطاب : روى البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ ( السنوات المجدبة ) وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ ( بعير قوي ) كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمْ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا قَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ . (صحيح البخاري حديث 4160) .

(2) عبد الله بن عمر بن الخطاب : روي البخاري في الأدب المفرد عن أبي بكر بن حفص أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان لا يأكل طعاماً إلا وعلى خِوانه ( مائدته ) يتيم . (حديث صحيح ) ( صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 102 )

(3) أبو بَرزة الأسلمي : روى ابن سعد عن الحسن بن حكيم قال حدثتنى أمي أنه كانت لأبي برزة جفنة من ثريد غدوة وجفنة عشية للأرامل واليتامى والمساكين . (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4 صـ 224 ) .

مشاعر الأيتام في الأعياد

ليسأل كل منا نفسه كيف يكون شعور الأيتام عندما يدخل عليهم بعض إخوانهم وهم يحملون لهم الطعام والشراب والكساء الجديد في المناسبات السارة كالعيدين ؟! وكيف يكون شعورهم عندما يدخل عليهم بعض المسلمين بملابس وأغطية تقيهم برد الشتاء القارس ؟!

كيف نعامل الأيتام ؟

 يجب أن نعامل اليتامى كما نحب أن يعامل الناس أبناءنا بعد موتنا ورحيلنا عن الدنيا .

 روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ . (حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 4132)

روى البخاريُّ (في الأدب المفرد) عن عبد الرحمن بن أبزي قال : قال داود عليه السلام (كن لليتيم كالأب الرحيم واعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد، ما أقبح الفقر بعد الغنى، وأكثر من ذلك وأقبح، الضلالة بعد الهدى، وإذا وعدت صاحبك فأنجز له ما وعدته فالإ تفعل يورث بينك وبينه عداوة وتعوذ بالله من صاحب إن ذكرت لم يعنك، وإن نسيت لم يذكرك . ( حديث صحيح ) ( صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 103) . روى البخاري (في الأدب المفرد) عن أسماء بن عبيد قال : قلت لابن سيرين : عندى يتيم فقال : اصنع به ما تصنع بولدك اضُربه كما تضرب ولدك ( حديث صحيح ) ( صحيح الأدب المفرد حديث 104)

 روى البخاري (في الأدب المفرد) عن شُميسة العتكية قالت : ذكر أدب اليتيم عند عائشة رضي الله عنها فقالت : إني لأضرب اليتيم حتى ينبسط . ( حديث صحيح ) ( صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 105)

كيف نكفل الأيتام ؟

اعلم أخي الكريم أنه ليس المقصود بكفالة الأيتام الاهتمام بتربية اليتيم التربية الجسدية، وذلك بتوفير الطعام والشراب والكساء والمسكن فقط ولكن المقصود هو تربية اليتيم عقائدياً وروحياً وأخلاقياً أيضاً في ضوء كتاب الله تعالى وسُّنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  حتى يصبح هذا اليتيم عضواً صالحاً في المجتمع المسلم . ويمكن أن نوجز التربية المثالية لليتيم فيما يلي :

 (1) تعليمه العقيدة الصحيحة وهي أساس كل شيئ . (2) إرشاده إلي إخلاص العمل لله تعالى والمواظبة على ذكره . (3) تعليمه حُسن تلاوة القرآن الكريم وحفظه والعمل به . (4) تعليمه الصلاة وأحكامها وباقي أركان الإسلام والحلال والحرام . (5) تذكيره بسيرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  والسلف الصالح رضوان الله عليهم . (6) تعليمه حقوق المسلمين عليه وإرشاده إلي اختيار الرفقة الطيبة . (7) إرشاده إلي كيفية الدعوة لنشر دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة . (8) إرشاده إلي حُسن الخُلُق والبعد عن المعاصي ومنكرات الأخلاق .

أمهات مثاليات لأيتام

 كتب التاريخ مملوءةٌ بنماذج رائعة لنساء مات أزواجهن فقمن على تربية أبنائهن خير قيام وأزالت عن أبناءها مرارة اليتم، فقامت بدور الأب إلى دور الأم وزودت أبناءها بأحسن التوجيهات حتى كان منهم من ملأ الدنيا علماً، وسوف نذكر بعضاً من هذه النماذج المشرقة:

(1) تماضر بنت عمرو السلمية ( الخنساء ) : لما استعدا المسلمون لمعركة القادسية، دعت تماضر بنت عمرو السلمية أولادها الأربعة وحثتهم على الجهاد في سبيل الله وحذرتهم من الفرار من أرض المعركة، فقالت : يا بني : إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، والله ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا غيرت نسبكم، فإذا كان غداً إن شاء الله، فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين الله، فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها، وقد ضربت رواقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا خميسها، تظفروا بالمغنم والسلامة، والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة، فانصرف الفتية الأربعة من عندها، وهم لأمرها طائعون، وبنصحها عارفون, فلما أصبحوا ذهبوا إلي ميدان المعركة وأبلوا بلاءً حسناً حتى استشهدوا جميعاً، فلما بلغ الخنساء خبر استشهادهم قالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته . وكان عمر بن الخطاب يعطي الخنساء بنت عمرو خراج أولادها الأربعة حتى مات . ( صفة الصفوة لابن الجوزي جـ4 صـ385: صـ387 )

(2)أم سفيان الثوري : قال وكيع بن الجراح : قالت أم سفيان الثوري لسفيان : يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي . وقالت : يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك فإن لم يزدك فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك . ( صفة الصفوة لابن الجوزي جـ3 صـ189 )

( 3) أم محمد بن إدريس الشافعي : وُلد الإمام الشافعي بغزة ومات أبوه إدريس شاباً فنشأ الشافعي يتيماً في حجر أمه فحفظ القرآن وهوا ابن سبع سنين وحفظ موطأ مالك وهو ابن عشر سنين وطلب العلم حتى أصبح مذهبه أحد المذاهب الأربعة المشهورة . ( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ12 صـ6: 11)

(4)أم أحمد بن حنبل : كان والد أحمد بن حنبل من أجناد مرو، مات شاباً وله نحو من ثلاثين سنة، فقامت أم أحمد على تربيتة وحثته على حفظ القرآن وطلب الحديث، فطلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان عدد شيخوخة الذين روى عنهم في المسند أكثر من مائتين وثمانين شيخاً، روى عنه البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي . والإمام أحمد صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة . ( سير أعلام النبلاء جـ11 صـ177: 183)

(5) أم محمد بن إسماعيل البخاري : مات والد البخاري وهو صغير فنشأ في حجر أمه وفقد بصره وهو صغير، فرأت أمه الخليل إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  في المنام يخبرها بأن الله رد على البخاري بصره لكثرة دعائها له، فاهتمت به أمه اهتماماً كبيراً وألهمه الله تعالى حفظ الحديث وعمره عشر سنوات، ولما بلغ السادسة عشرة خرج حاجاً مع أمه وأخيه، وبعد أداء الحج تخلف بمكة في طلب الحديث، وفي سن الثامنة عشرة صنف في قضايا الصحابة والتابعين وأقوالهم، وكان للبخاري أكثر من ألف شيخ وجمع كتابه الصحيح من ستمائة ألف حديث مسموعة. (سير أعلام النبلاء جـ12 صـ391: 415) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

عدد المشاهدات 19938