هذه الفتاوى المريضة.. ما هدفها؟

2011-09-19

صفوت الشوادفى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:-

    فإن الأمة الإسلامية إذا نكبت في بعض علمائها كانت نكبتها من أسوأ النكبات وأقساها. ذلك أن كلمة العالم كلمة مسموعة عند العامة الذين ينظرون إليه نظرة تقدير لكل ما يقول، حيث لا يضعون قوله تحت مجهر التحقيق والتدقيق، ولا يتسنى لهم أن يفعلوا. لهذا فإن زلة العالم قد تجر وراءها أمة بأسرها.

    والعصمة من هذا الزلل لا تكون إلا بالتمسك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلفنا الصالح من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن اتبعهم بإحسان. أما أن يأتي أحد العلماء ويجتهد في بعض القضايا الهامة ملقيًا وراء ظهره بالنصوص الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، بحجة أن السنة ظنية الثبوت كما يقولون.. فإنه بذلك يكون قد عطل كتاب الله حيث يقول فيه الحق تبارك وتعالى ( وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) الحشر 7 ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَالنساء 80 وأي ضلال أبعد من تحكيم العقل في مواجهة ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضوان الله عليهم..؟

* واحد من علماء المسلمين.. دأب على أن يصدر الفتاوى بين الحين والآخر يروج فيها لبعض صور الفوضى والبعد عن الدين، وكأن لسان حاله يقول (خالف تعرف) . له من الفتاوى ما يثير الغثيان ويبعث الاشمئزاز في النفوس، ويعمل على فتنة الناس في دينهم

    وما زلنا نذكر إحدى هذه الفتاوى التي أصدرها بينما دعاة الإصلاح ينادون بتنقية شاشة التلفاز من صور الخلاعة والرقص الذي يعرض عليها… فإذا بهذا العالم يفتي بأن ظهور الراقصات على الشاشة الصغيرة وعلى شاشة (السينما) شبة عاريات لا يعتبر حرامًا لأنها مجرد صور وأشباح.. وعملًا بفتوى الشيخ فإني أعجب: لماذا يتدخل مقص الرقيب لحذف بعض المناظر الخليعة من الأفلام قبل عرضها..؟ أليست صورًا وأشباحًا..؟ بل ولماذا تتم مصادرة أفلام (الفيديو) المهربة التي تصور ما لا يجوز عرضه..؟ أليست هي الأخرى صورًا وأشباحًا..؟

    ويستمر الشيخ في إصدار الفتاوى، ويختار لها الوقت الذي يراه - أو تراه الجريدة الناشرة - مناسبًا. فبعد أن شعر الناس بالارتياح لما انتهت إليه قضية الطيار الذي رفض أن يحمل الخمور على طائرته وأوقفته شركة الطيران عن العمل وأعاده القضاء لعمله.. تصدر الفتوى من هذا الشيخ الكبير بجواز اشتغال العمال في الفنادق والملاهي والبارات بتقديم الخمور للواردين على هذه الأماكن بحجة الاضطرار. أما حديث (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها) فلا داعي للأخذ به من وجهة نظر الشيخ.

    وآخر ما خرج به علينا الشيخ من فتاوى وأحكام نشرته له منذ أيام قريبة إحدى جرائد المعارضة (جريدة الأحرار الصادرة يوم الاثنين 7 رمضان 1402 الموافق 18 يونيه 1982) حيث يقول إن رجم الزاني المحصن ليس حكمًا شرعيًا لذا يجب قصر عقوبة الزنى على الجلد فقط وأنا أعلم أن الشيخ ليس أول من أنكر الرجم فهو مسبوق بأمثاله من الذين لا يأخذون بما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مستندين في رفضهم لهذا الثابت على قواعد وضعها المتأخرون تقول أن السنة ظنية الثبوت فلا يعمل إلا بنصوص القرآن وحده. هذا مع علمهم بأن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عدلت بعض الأحكام الواردة في القرآن كاستثناء السمك والجراد من الميتة كطعام، كما استحدثت السنة أحكامًا جديدة كالبيوع وغيرها. أما عن موضوع الرجم فقد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة، كما قام بالرجم أصحابه من بعده.

    وتستمر جريدة الأحرار في عرض فتاوى الشيخ الكبير حيث يجيز كشف وجه المرأة بعد صبغه بالمساحيق الملونة. ولعله لم ينس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن الواشمات والمستوشمات(1) والنامصات والمتنمصات(2) ووصف هذا العمل بأنه تغيير لخلق الله.. فالشيخ لا بد أنه قرأ هذه الأحاديث ووقف على صحتها ولكنه لا يأخذ بها لأنها في نظره أحاديث آحاد.

    أما الفتوى الأكثر غرابة فكانت عن المسموح بظهوره من جسد المرأة، فرغم أن الخلاف بين علماء المسلمين حول الوجه والكفين فقط، البعض يقول أنها ليست بعورة، والبعض يقول أنها عورة ولا يسمح بظهورها إلا للمذكورين في آية سورة النور (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَائِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنّ .. الخ) الآية 30.. يأتي الشيخ ليفتي بجواز كشف المرأة عن ذراعيها حتى المرفقين.

    وبمقتضى الخلاف حول وجه المرأة: هل هو عورة أم لا.. ترى الذين يقولون أنه عورة ينادون بوجوب النقاب الذي تغطي به المرأة كل وجهها، أما الذين لا يعتبرون وجه المرأة عورة يقولون إن هذا النقاب سنة مستحبة. ويأتي الشيخ الكبير ليخالف هؤلاء وهؤلاء، فيقول إن هذا النقاب ليس من الإسلام في شيء وإنما هو بدعة تعاقب عليه المرأة إذا فعلته على أنه عمل مأمور به دينيًا.

* لهذا الحد وصلت الجرأة على دين الله..!

    ولو عممت فتاوى هذا الشيخ وأخذ الناس بها فماذا يبقى بعد ذلك من الأخلاق الإسلامية..؟

    ثم هناك أسئلة ملحة أريد أن أهمس بها في أذن الغيورين على دين الله من علماء المسلمين الأجلاء لعلي أجد عليها جوابًا:

 - هذه الفتاوى المريضة.. ما هدفها؟

 - ألا تزيد المفسد فسادًا..؟ وتصيب المتمسك بدينه بالغثيان والاشمئزاز..؟

 - ألا تؤثر هذه الفتاوى أثرًا سيئًا في فتنة الناس عن دينهم..؟

 - ألا تزيد من البلبلة الفكرية لدى الشباب الحائر..؟

* أما الشيخ الكبير فإني لا أملك إلا أن أقول له: كفاك جرأة على دين الله، وعد إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واتق الله يا دكتور سعاد هدانا الله وإياك.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 

(1) الوشم: هو النقوش التي ترسم على ظهر الكف أو المعصم أو غير ذلك بإبرة حتى يسيل الدم ثم يحشي ذلك الموضع بالكحل فيخضر.

(2) النمص: نتف الشعر وترقيق الحواجب.

عدد المشاهدات 7458