التربية بين الأصالة والتجديد -14- الدور التربوى للعبادات : الصلاة

2011-02-06

صفوت نور الدين

الدور التربوى للعبادات :

   لقد شرع الله سبحانه العبادة تربية للعباد ومصلحة لهم { يأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } ونتناول بالحديث الفرائض التعبدية ( الصلاة والزكاة والصوم والحج ) في حديث سريع نكتفى فيه بالإشارة والتلميح بدلا من العبارة والتصريح .

أولا - الصلاة : لقد هيأت الحكمة الالهية والتشريع الربانى الصلاة تهيئة دقيقة هى من معجزات التشريع تحقيقا لغاية العبودية والاخلاص والخضوع والتذلل لله تعالى وإحياء وتجديدا للصلة به سبحانه وانقطاعا عما سواه وتخلصا من سلطان كل من نازعه فى إلاهيته أو ربوبيته أو عظمته أو حكمه ، لتنشىء في النفس قوة روحية وإيمانا عميقا ونورا يفيض به القلب ليقاوم به أقوى الفتن والمغريات وأقسى الحوادث والكوارث ويتغلب على شرور النفس ومواضع الضعف فيها وسقطاتها .

 فالمسلمون فى كافة بقاع الأرض تتوحد قبلتهم ، وفى مسجدهم تسوى صفوفهم ينادى عليهم فيتطهرون وخلف امام واحد إلى الله يتوجهون اعلانا لوحدة المسلمين ونبذا للفرقة والخلاف ، فالمسلم في الهند والصين أخ للمسلم في مصر وأفريقية، والمسلم الغنى أخ للمسلم الفقير تتلاصق الأقدام وتتزاحم المناكب يسرعون إلى الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه وحدة في القبلة ووحدة في الصف ووحدة في الوجهة إلى الله ووحدة في الصلوات تؤدى إلى وحدة القلوب والأفكار والخواطر والهمم .

يفتتحون الصلاة بالتكبير نفعيا لدعاوى الأدعياء ومزاعم المتألهين وأوهام وخرافات الوثنين ومظاهر وسخافات الملوك والسلاطين ، كلمة يخشع أماهها الجبابرة وتهوى لها الأصنام ويذل لها الطغاة فهى أبلغ ما يفتتح بها الصلاة حثا للمصلى ألا يلتفت لغير الله لأنه بين يدى لرب الكبير وكل ما سواه مربوب ضعيف .

 يقوم المصلى في خضوع وخشوع يفتتح الصلاة بالقيام ناظرا في محل سجوده ثم ينتقل إلى الركوع قائلا سبحان ربى العظيم ثم السجود قائلا سبحان ربى الأعلى وقد وضع أشرف أعضائه على موطىء الأقدام فتتفق روعة الهيئة بوضع الجبهة على الأرض مع روعة البيان ( سبحان ربى الأعلى ) فيكون فى حالته هذه أقرب إلى ربه لحديث ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء ) ( رواه مسلم ) . فيسأل ربه مبتهلا وهو منه قريب : أسألك مسألة المسكين وأبتهل اليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، ودعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسمه ورغم لك أنفه .

 يفتتح القراءة بالفاتحة ويختم الصلاة بالتشهد وبينهما من ترسيخ منهج حياته الأمر الفريد العجيب . فهو يعلن منهجه في الحياة ويعاهد الله عليه { إياك نعبد وإياك نستعين} ويسبقه بالتعرف على ربه { رب العالمين } الذى ربى فاستحق الحمد لعظيم تربيته وجميل عنايته واتصف بكونه { الرحمن الرحيم } ، وهو الذي لا يلفت الإنسان في المبدأ حيث خلقه ولم يكن شيئا ولا فى النهاية فهو { مالك يوم الدين } ولكنه في عهده مع الله في العبادة والاستعانة يسأل الله الهداية إلى الصراط المستقيم متبرئا من حال أهل الغضب والضلال . ويختم الصلاة بالتشهد الذى يعلن المعانى المعلن عنها في الفاتحة في أسلوب جديد ( أشهد إلا اله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) حيث يحمل منهج التعبد لله وحده سالكا الطريق السوى الذى بينه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم . لكنه يبدأ قبل ذلك بالتحيات لربه معلنا افراده بالصلوات والطيبات ويتصل بالذين أنعم الله عليهم من السابقين واللاحقين ( السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) ترابط جميل عجيب ودعاء متبادل . وذلك يظهر بين الأذان نداء وشعارا والفاتحة ابتداء والتشهد ختاما. ذلك كله يأخذ بالعبد الذى يدب على الأرض بقدميه ليكون عبدا لله رب الأرض والسماء والعالمين جميعا. تواضعا في عزة، ضراعة في رفعة، ابتهالا إلى القوى العزيز، ترابطا مع العابدين المعاصرين والسابقين واللاحقين.

 هذه الصلاة هى التى قال الله في حقها ( وأقم الصلاة أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) ذلك بأنها تصرف صاحبها عن الأخلاق الرذيلة والمتع الرخيصة وتنقله من سفاسف الأمور إلى معانيها وتحبب إليه الإيمان وتزينه في قلبه وتكره إليه الكفر والفسوق والعصيان .

 ومن الجدير بالملاحظة أن الصلاة يلزم لها الاعلان فلا يكون هذا الإعلان إلا بلاغا موجزا ودعوة مركزة وشرحا للاسلام، لا  يستعين  فيه بألة كالبوق أو الناقوس ولكن بالتكبير والشهادتين وبيان أن الصلاة طريق الفلاح في الدنيا والآخرة .

  كذلك التطهر للصلاة .. الثوب والمكان البدن بالوضوء والغسل فيكون تطهير الظاهر مقدمة لتطهير الباطن فلا يستحق أن يطهر الله باطنه إلا من طهر ظاهره.

 وتكرار هذه الصلاة وتعاقبها في ساعات اليوم والليلة حكمة بالغة لتغذية النفوس ووقايتها من الغفلة عن الله ودواء من استحواذ المادية على القلب والروح حيث يخرج من الصلاة على انتظار أن يعود لصلاة أخرى وينام بعد الصلاة ليستيقظ لأخرى فيصدق عليهم قوله سبحانه {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } .

 فهذه الصلاة صلة لا نظير لها بين العبد وربه الخالق تبعث المراقبة في القلوب وتروض الأعضاء فتعتاد اليدان إذا وضعت على الصدر في خشوع وتروض العين التى التزمت مكان السجود ، ويروض اللسان الذى رتل القرآن ترتيلا وتروض النفس التى أخذت في التدبر في الركوع والسجود والذكر والقراءة . فإذا صحت العلاقة مع الله أطاع العبد ربه في شأن الخلق ومدارها { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } فكيف بجماعة تراصت صفوفها ولجأت قلوبها إلى ربها يغسل أدرانها ويزيل من القلوب أحقادها . فإذا استغاثوا به أغاثهم وإذا استنصروه نصرهم وإذا سألوه أعطاهم وإذا استعاذوا أعاذهم وإذا استغفروه غفر لهم .

والحديث موصول إن شاء الله

عدد المشاهدات 4531