من أحكام البيع - الحلقة الثالثة -

2010-09-27

صفوت نور الدين

أخرج البخاري في ( صحيحه ) عن حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال ‏‏: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا - أو ‏قال : حتى يتفرقا - فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا ‏محقت بركة بيعهما ) .‏

وعن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ‏إن المتبايعين كل واحد منهما بالخيار في بيعهما على صاحبه ما لم يتفرقا أو ‏يكون البيع خيارًا ) ‏

وفي رواية : ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا ‏جميعًا ، أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع ، وإن ‏تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) .‏

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، وبعد: نكمل حديثنا عن أحكام ‏البيع، فنقول وبالله تعالى التوفيق: ‏

الملامسة : بيع ثوب يلمسه دون نشره ، وتبيين ما فيه نوعًا ومقدارًا ، أو بيع غير الثوب ‏دون تفقد وتعرف على العيوب والميزات والأصناف إذا كان مما يحتاج فيه لذلك .‏

المنابذة : نبذ الرجل بثوبه لرجل ، ويكون ذلك بيعًا من غير نظر ، وفيها الجهالة ‏المفضية للخصام والشجار ، فلابد من العلم بالسلعة والرضا .‏

بيع الحصاة : وهو أن يرمي بحصاة فما وقعت عليه تم عليه العقد ، ويحرم للجهالة ، ‏ولها صور معاصرة تقام في بعض الأسواق والموالد الشركية المبتدعة ، وكله بيع حرام .‏

الثنايا : أن يقول : بعتك هذه الشجرة إلا بعضها ، أو قطيع الغنم إلا عشرة غير معينة ‏‏، واستثناء المعلوم من المجهول يصير الباقي مجهولاً والعكس .‏

حبل الحبلة : أن تنتج الناقة ما في بطنها ، ثم تحمل التي نتجت ، وهو أن يبيع بثمن ‏إلى أن تلد ولد الناقة أو إلى أن تحمل ولد الناقة ، أو هو بيع ولد نتاج الدابة ، وهو إما ‏بيع معدوم ، وإما بيع إلى ذلك الأجل المجهول ، وكل ذلك لا يجوز للغرر والجهالة .‏

بيع الغرر : كبيع الجنين في بطن أمه ، أو السمك في الماء ، أو المعجوز عن تسلمية ، ‏كالجمل الشارد ، أو مجهول الجنس ، أو المقدار ، ويستثنى من بيع الغرر أشياء إما ‏لتفاهتها ، أو لعدم تميزها عن المبيع :‏

أ - ما يدخل في المبيع تبعًا ، فلو أفرد لم يصح بيعه ، مثل أساس الدار والدابة في ضرعها ‏اللبن ، أو في بطنها الحمل ، فكل ذلك يشق فصله ويحتاج إليه ما أصل المبيع .‏

ب - ما يتسامح بمثله لحقارته أو مشقة التمييز ، مثل الجبة المحشوة لا يتميز عنها ‏حشوها إلا بإتلافها .‏

بيع السلعة قبل قبضها : لحديث : ( من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه ) . ‏

ولحديث : ( نهي عن بيع الشيء قبل قبضه ) .‏

بيع ما ليس عنده : لحديث حكيم بن حزام ؛ قلت : يا رسول الله ، الرجل يسألني ‏البيع وليس عندي ، أفأبيعه ؟ قال : ( لا تبع ما ليس عندك ) .‏

لاحظ أن الفرق بين السلم وبيع ما ليس عندك أن السلم سلعة موصوفة النوع والمقدار يمكن ‏للبائع الحصول عليها عند حلول الأجل وتسليمها للمشتري في الأجل ، أما بيع ما ليس ‏عندك بيع لسلعة مملوكة لغيرك ولم تفوض في بيعها أو بيع الشيء قبل قبضه وبيع العبد ‏الآبق .‏

بيع المسلم على المسلم : لحديث : ( لا يبع بعضكم على بيع بعض) . وصورته أن يشتري ‏رجل سلعة بعشرة دراهم ، فيقول له : ردها وأنا أبيعك إياها بتسعة ، أو خير منها ‏بالعشرة ، أو أن يرى بائعًا باع سلعة بعشرة ، فيقول له : افسخ البيع ، وأنا أشتريها ‏منك بإحدى عشر ، ومثلها السوم على سوم أخيه المسلم ، وهو يورث العداء والبغضاء ‏والمشاحنات .‏

بيعتان في بيعة : مثل أن يتم الإيجاب والقبول في سلعة على سعرين لا يحدد واحد ‏منهما يقول: بعتك إياها بعشرة حالة ، أو بخمسة عشر إلى أجل ، ويمضي البيع دون ‏تحديد أحد السعرين، ومنها أن يقول : بعتك هذه الدار بكذا ، على أن تبعيني هذه ‏السيارة بكذا ، ومنها أن يقول : بعتك هذه ( الشاة أو هذا الثوب ) بدينار ، ويمضي ‏البيع دون تحديد أحدهما .‏

بيع الدين بالدين : لحديث : ( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الكالئ ‏بالكالئ) . ومثاله أن يكون لأحدهما شاة عند آخر يتفقا على أن يتسلمها بعد عام ‏فيبيعها من آخر بدينار يسلمه له بعد ستة أشهر .‏

بيع العينة : وهي حيلة ربوية ، وصورته : أن يشتري منه سيارة إلى أجل بعشرة آلاف ‏‏، ثم يبيعها إليه حالاً بتسعة آلاف ، فكأنه أخذ التسعة آلاف ليردها عشرة ، ووسط ‏السلعة توسيطًا صوريًّا أو يوسط رجل آخر مع السلعة ، لكن إن وقع البيع الثاني بعد ‏البيع الأول بمدة بغير شرط ولا عادة ولا نية جاز ذلك ، ولا يخفى أن الورع ألا يبيعه ‏من نفس من اشتراها منه بعدًا عن شبهة الربا .‏

ومن صور بيع العينة : أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة ، ونص أحمد على ‏كرهه ذلك ، فقال : العينة أن يكون عنده المتاع لا يبيعه إلا بنسيئة ، فإن باع بنقد ‏ونسيئه فلا بأس .‏

وقال أيضًا : أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة ، فلا يبيع بنقد ، وعلله شيخ ‏الإسلام ابن تيمية بأنه يدخل في بيع المضطر ، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون ‏لتعذر النقد عليه ، فإن كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه من أصل الضرورة ‏والحاجة ، وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجرًا من التجار .‏

التورق : شراء سلعة بسعر أجل ، ثم بيعها لغير الذي اشتراها منه بسعر عاجل بقصد ‏الحصول على المال ( النقد ) لحاجته لذلك في تجارة أو زواج أو نفقة على عياله أو سداد ‏دين أو غير ذلك ، وقد اختلف أهل العلم في هذا النوع ، فأحله جمهور العلماء ، إلا أن ‏جملة من العلماء قالوا بحرمته ، واليوم يكون فساد الأسواق بسبب هذا النوع من البيع ، ‏حتى أنهم يسمونه ( حرقًا للسوق ) ، وإن كان هذا أهون حالاً من العينة ، والفارق  بينه وبين ‏العينة أن رجوع السلعة في العينة ترجع لنفس البائع ، وهذا الأمر إذا حدث التواطؤ ‏عليه ؛ فالعلماء على تحريم هذه المعاملة ، والتورق صورة من المعاملات تحدث الكثير ‏من المنازعات وتسبب الكثير من القضايا والخصومات ، وواقع الأسواق يدل على أنها ‏مفسدة للتجارات وبوار للسلع ، ودفع لكثير من المحتاجين ليتوسعوا في الديون بغير ‏نظر للوقت ولا الكيفية التي يسددون بها هذه الديون ، وهي تفتح الباب لأهل الخداع ‏والمكر والعبث والتلاعب بالأموال للإكثار منها ، ثم يعلنون الإفلاس ويضربون الأسواق ‏ويأكلون أموال الناس بالباطل. والله أعلم.‏

بيع حاضر لباد : لحديث : ( لا يبع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض ) ‏‏. وصورته : أن يأتي الرجل من البادية بسلعة يبيعها بسعر يومها ، والناس في حاجة ‏إليها ، فيقول له حضري : اترك السلعة عندي وأنا أبيعها لك بعد أيام بسعر أكبر من ‏ذلك ، ولكن لا بأس أن ينصح له ، ويدع الناس في أسواقهم ييسر الله عليهم أسعارهم .‏

التأمين التجاري، وبديله التأمين التعاوني:‏

من بيوع الغرر التأمين التجاري ، وهو عقد يلزم فيه أحد الطرفين - وهو المؤمَّن - أن ‏يؤدي للطرف الآخر - وهو المؤمَّن عليه - عوضًا ماديًّا يتفق عليه ، يدفع عند وقوع الخطر ‏‏، وتحقق الخسارة المبينة في العقد ، وذلك نظير رسم يسمى ( قسط التأمين ) يدفعه له ‏المؤمن حسب ما ينص عليه عقد التأمين ، وفيه الغرر الفاحش والجهالة والميسر وأكل ‏أموال الناس بالباطل .‏

أما التأمين التعاوني فهو عقد من عقود التبرعات يقصد به التعاون على تفتيت الأخطار ‏في تحمل المسئولية عند نزول الكوارث ، وذلك بإسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص ‏لتعويض من يصيبه ضرر ، ويمكن الاكتفاء به عن التأمين التجاري .‏

الإقالة : فسخ البيع وتركه ورد الثمن إلى صاحبه والسلعة إلى بائعها إذا ندم أحد ‏المتبايعين وهي مستحبة إذا طلب أحدهما ؛ لحديث : ( من أقال مسلمًا بيعته أقال الله ‏عثرته ) .‏

فإن هلك بعض السلعة جازت الإقالة في بقيتها ، ولا يجوز في الإقالة أن ينقص من الثمن ‏أو يزيد فيه إلا أن يكون بيعًا جديدًا بأحكامه وشروطه .‏

بيع الجزاف : هو بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جملة بلا كيل ولا وزن ولا عدد ، وهو ‏بيع صحيح رُخص فيه لحاجة الناس إليه ، خاصة وأن هل الخبرة في الأسواق يمكنهم ‏تقدير السلع بما يقرب جدًّا من وزنها وكيلها .‏

بيع الاستجرار : هو أخذ الحوائج مما يحتاج إليه عادة ويقع عليه الاستهلاك كالخبز ‏والملح والزيت والقمح ونحوها من البائع شيئًا فشيئًا مع جهالة الثمن حال الأخذ ، ودفع ‏ثمنها بعد ذلك، وقد جوزه كثير من أهل العلم ، ودافع عنه ابن القيم في ( إعلام ‏الموقعين ) . وحاجة الناس إليه كثيرة وماسة .‏

بيع العربون : جاء في قرار المجمع الفقهي في المحرم 1414 هـ ما يلي :‏

1- المراد ببيع العربون ؛ بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغًا من المال إلى البائع على أنه ‏إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن ، وإن تركها فالمبلغ للبائع ويجري مجرى ‏البيع ، الإجارة؛ لأنها بيع المنافع ، ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحة قبض ‏أحد البدلين في مجلس العقد ( السلم ) أو قبض البدلين مبادلة الأموال الربوية ‏والصرف ، ولا يجري في المرابحة للأمر بالشراء في مرحلة المواعدة ، ولكن يجري في ‏مرحلة البيع التالية للمواعدة .‏

‏2- يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود ، ويحتسب العربون جزء ‏من الثمن إذا تم الشراء ، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء .‏

تلقي الركبان : قبل دخول السوق ومعرفته لثمن سلعته فإن باع ثم بلغ السوق ، فهو ‏بالخيار في بيعه .‏

النجش : وهو أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ، بل لنفع البائع أو الإضرار ‏بالمشتري أو العبث ، وهو صورة موجودة في الأسواق من قديم ، وقد حرمها الإسلام ‏رحمة بالناس ، وقد عد المجمع الفقهي من صور النجش :‏

أ - الصورة المذكورة .‏

ب - أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها ويمدحها ليغر ‏المشتري فيدفع ثمنها .‏

جـ - أن يدعي صاحب السلعة أو الوكيل أو السمسار ادعاءً كاذبًا أنه دُفع فيها ثمن معين ‏ليدلس على المشتري .‏

د- من الصورة الحديثة للنجش المحظورة شرعًا اعتماد الوسائل السمعية والمرئية ‏والمقروءة التي تذكر أوصافًا رفيعة لا تمثل الحقيقة، أو ترفع الثمن لتغرى المشتري ‏وتحمله على التعاقد.‏

بيع المصراة ( المحفّلة) : وهي التي حبس اللبن في ضرعها ليوهم المشتري بكثرة لبنها ، ‏فالمشتري بالخيار أن يردها ويرد صاعًا من تمر معها قطعًا للنزاع مهما كان مقدار اللبن ‏الذي حلبه منها ، ومدته ثلاثة أيام .‏

بيع التلجئة : وهو أن يكون أحد طرفي البيع أو كلاهما واقع تحت إكراه ملجئ لعقد ‏البيع ، فإن البيع يبطل إذا أقرا بالتلجئة أو ظهرت بينة تفيد التلجئة ، وإن اختلفا جاز ‏البيع من يمين المنكر .‏

بيع الوفاء : وصورته أن يقول : بعتك كذا بألف ، فإن رددت الألف رددت عليك المبيع ‏‏، وهي صورة من البيع لا تجوز .‏

بيع المرهون : إذا رهن عينًا بدين حال أو مؤجل وحل الأجل امتنع المدين عن أداء الدين ‏أجبره الحاكم على بيع المرهون أو باع عليه نيابة عنه ؛ لأنه حق واجب عليه ، فإذا ‏امتنع من أدائه قام الحاكم مقامه في أدائه كالإيفاء في جنس الدين .‏

ويحرم الربا بنوعيه النسيئة والفضل :‏

ربا النسيئة هو ما كانت الزيادة بسبب الأجل ، وربا الفضل ما كانت الزيادة بسبب ‏الجودة ، وهو محصور في الذهب والفضة والقمح والشعير والملح .‏

قال في ( بداية المجتهد ) : وأصول الربا خمسة : ‏

‏1- أنظرني أزدك .‏

‏2- التفاضل .‏

‏3- الَّنساء ؛ أي الأجل .‏

‏4- ضع وتعجل .‏

‏5- بيع الطعام قبل قبضه .‏

من البيوع المحرمة بيع الخمر وكل ما أسكر من شراب سائل أو جامد ، سواء كان مدخله ‏الفم أو الأنف أو غيره ، يدخل في ذلك ما يتعاطى بالشم أو الحقن .‏

ويحرم بيع الميتة ، واستثنى جهمور العلماء الشعر والوبر والصوف والريش ، أما الجلد ‏ففيه خلاف مشهور ، ويحرم بيع الخنزير والأصنام والكلب ، واختلف في كلب الصيد ، ‏ويحرم بيع الصور التي تفسد الأخلاق للتبرج وغيره ، أو التي تتعلق بها القلوب تعظيمًا ‏‏، وتحرم كل حيلة لاستحلال الحرام ولو تغيرت أسماؤها ، والوسيلة إلى الحرام حرام .‏

استعمال النجاسة : يجوز استعمال دهن الميتة في طلي السفن والتداوي بدهنها في البدن ‏في غير وقت الصلاة ، وقد قاسها شيخ الإسلام على الاستنجاء .‏

‏وقال ابن القيم : ينبغي أن يعلم أن باب الانتفاع أوسع من باب البيع ، فليس كل ما ‏حرم بيعه حرم الانتفاع به ، إذ لا تلازم بينهما ، فلا يقاس تحريم الانتفاع على تحريم ‏البيع .‏

ومن صور البيوع المحرمة: من لم يجد عند تاجر بغيته التي يريدها ، يقول له التاجر: اذهب إلى السوق واختر ما يناسبك فإن أعجبك شيئًا دفعنا عنك الثمن عاجلاً ، ثم ‏أخذنا منك الثمن مؤجلاً أو على أقساط  - أي مع حساب الربح - فهذه صورة من البيوع ‏المحرمة ؛ لأنها حيلة ربوية فليس فيها البيع والربح فيه ، إنما فيها أنه تولى عنه ‏دفع ثمن عاجل واسترده منه بزيادة ، والله أعلم .‏

تغير قيمة العملة :‏

قرار المجمع الفقهي بالكويت في جمادى الأولى 1409 هـ ‏

العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة ؛ لأن الديون تقضى ‏بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيًّا كان مصدرها بمستوى الأسعار ، ‏والله أعلم .‏

الحقوق المعنوية : ‏

من قرار المجمع الفقهي بالكويت في جمادي الأولى 1409 هـ ‏

أولاً: الاسم التجاري والعنوان التجاري والعلامة التجارية والتأليف والاختراع أو ‏الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة ‏لتمول الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها.‏

ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية، ‏ونقل أي منها بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقًّا ‏ماليًّا.‏

ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا ولأصحابها حق التصرف فيها ‏ولا يجوز الاعتداء عليها. والله أعلم .‏

الخيار في البيع : حديث ( البَّيعان بالخيار ) أي لهما الاختيار وهو طلب خير الأمرين ‏من إمضاء البيع أو فسخه ، وقد شرع الخيار في البيع في مواضع عدة : ‏

‏1- خيار المجلس : وهو الخيار قبل أن يتفرقا ، فلكل من البائع والمشتري الخيار في ‏إمضاء البيع أو فسخه ماداما في المجلس ، وينتفي الخيار إذا قال له في مجلس العقد ‏‏: اختر فاختار إمضاء البيع فينقطع الخيار قبل التفرق .‏

والمقصود الفرقة بالأبدان ؛ أي من مجلس العقد ، وذلك بانصراف أحدهما .‏

قال الترمذي : وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، وقالوا الفرقة بالأبدان لا بالكلام ، ‏وقد قال بعض أهل العلم معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما لم يتفرقا ) ؛ يعني ‏الفرقة بالكلام بأن ينتقلا للحديث في موضوع آخر ، والقول بالكلام بأن ينتقلا للحديث ‏في موضع آخر ، والقول الأول أصح ؛ لأن ابن عمر ، رضي الله عنه ، هو الذي روى عن ‏النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث ، وكان إذا أعجبه شيء ، اشتراه مشى خطوات ؛ أي ‏لإمضاء البيع ، فهو أعلم بما روى .‏

قال في ( تحفة الأحوذي) : هذا القول هو الظاهر الراجح المعول عليه ، ثم قال : إلا بيع ‏الخيار ، هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق ، بل والمراد أنهما إذا اختار إمضاء ‏البيع قبل التفرق فقد لزم البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق ، فالتقدير إلا البيع الذي ‏جرى فيه التخاير.‏

‏2- خيار الشرط : وهو إذا اشترطا مدة معينة للخيار ، كان البيع نافدًا إذا مضت المدة ‏ولم يرجع أحدهما في البيع ، وفي أثناء هذه المدة يجوز لأحدهما الرجوع في البيع ‏ويجوز أن يكون هذا الشرط لأحدهما أو لكل واحد منهما ، ولا يجوز أن يكون ‏الخيار مستمرًا ، فهو شرط باطل .‏

ويشرح الدكتور / علي السالوس خيار الشرط بقول : إن البائع عندما يبيع السلعة يسلم ‏ويتسلم المشتري ، وقد يشترط المشتري الخيار مدة يوم أو يومين أو ثلاثة مثلاً ، بحيث ‏إنه في هذه المدة يشاور ، قد يكون اشتراه لغيره فيسأل غيره ، وقد يكون على غير دراية ‏بالسوق ، فيقول: هنا لي خيار (كذا) حتى يعلم هل السعر مناسب أم لا والبائع كذلك قد يجعل الخيار لنفسه ، وخيار الشرط يعني أن ‏المدة إذا انقضت ولم ينفسخ البيع فإن البيع تام كما هو لا زيادة ولا نقصان ولا تعويض ، ‏إذا جاء المشتري في مدة الخيار وفسخ البيع أخذ البائع سلعته وأخذ المشتري الثمن ، وإذا ‏جاء البائع كان له حق الخيار - خيار الشرط - وأراد أن يسترد سلعة أخذها ورد الثمن ‏‏.‏

‏3- خيار الغبن : إذا غبن أحد الطرفين غبنًا فاحشًا فله الخيار ، فإن كان ضعيف العقل ‏فله أن يشترط عدم الخداع ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - للذي كان يغبن في البيع لضعف ‏عقله : ( من بايعت فقل لا خلابة ) ؛ أي لا خديعة ، فإنه متى ظهر أنه غبن رجع على ‏من غبنه برد الزائد أو فسخ البيع . ‏

‏4-خيار العيب : إذا دلس البائع في المبيع بأن أظهر الحسن وأبطن الفساد أو جمع اللبن ‏في الضرع ، فإن للمشتري الخيار ؛ لحديث : ( لا تصروا الإبل ولا الغنم ، فمن ابتاعها ‏فهو بخير النظيرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك ، وإن شاء ردها وصاعًا من تمر ) .‏

ولا يحل لمسلم أن يبيع سلعة معيبة حتى يبين العيب الذي فيها ؛ لحديث عقبة بن ‏عامر عند أحمد وابن ماجه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( المسلم ‏أخو المسلم ، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا فيه عيب إلا بينه له ) .‏

ولحديث أبي هريرة عند مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على صبرة طعام ‏فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللاً ، فقال : ( ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ) . ‏

قال : أصابته السماء يا رسول الله ، قال : ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ من ‏غشَ فليس مني ) .‏

‏5-إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو وصف السلعة حلف كل منهما للآخر ثم لهما ‏الخيار في إمضاء البيع أو فسخه ؛ لحديث : ( إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا ‏بينة لأحدهما تحالفا ) .‏

البيع بالتقسيط :‏

قرار المجمع الفقهي بجدة في شعبان 1410هـ ‏

بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص ( البيع بالتقسيط ) واستماعه ‏للمناقشات التي دارت حوله ، قرر :‏

‏1- تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال ، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدًا ‏وثمنه بالأقساط لمدد معلومة ، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل ‏‏، فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ‏ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعًا .‏

‏2- لا يجوز شرعًا في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن ‏الحالي، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة، أم ربطها ‏بالفائدة السائدة.‏

‏3- إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي ‏زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربًا محرم.‏

‏4- يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز ‏شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخير عن الأداء.‏

‏5- يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخير المدين ‏عن أداء بعضها مادام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.‏

‏6- لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ، ولكن يجوز للبائع أن يشترط ‏على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة .‏

القبض وصوره المستجدة : ‏

وهو من قرارات المجمع الفقهي :‏

أولاً : قبض الأموال كما يكون حسيًّا في حالة الأخذ باليد أو الكيل أو الوزن في الطعام ، ‏أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض ، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية مع التمكين من ‏التصرف ولو لم يوجد القبض حسًّا ، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها ‏واختلاف الأعراف فيها يكون قبضًا لها .‏

ثانيًا : إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا :‏

‏1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية :‏

أ - إذا أودع في حساب العميل مبلغًا من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية .‏

ب - إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة ‏أخرى لحساب العميل .‏

‏جـ - إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغًا من حساب له إلى حساب آخر بعملة ‏أخرى في المصرف نفسه أو غيره لصالح العميل أو لمستفيد آخر ، وعلى المصارف مراعاة ‏قواعد الصرف في الشريعة الإسلامية .‏

ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسليم الفعلي للمدد ‏المتعارف عليها في أسواق التعامل ، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة ‏خلال المدة المفتقرة إلا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسليم الفعلي .‏

‏2- تسليم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه ‏وحجزه للصرف .‏

ومن قرارات المجمع الفقهي ؛ ما جاء بشأن استخدام الوسائل الحديثة لإبرام العقود :‏

‏1- إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ‏ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة ( ‏الرسول ) ، وينطبق ذلك على البرق والتكلس والفاكس وشاشات الكمبيوتر ، ففي ‏هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه قبوله .‏

‏2-  إذا تم التعاقد بين طرفين من وقت واحد وهما في مكانين متباعدين وينطبق هذا على ‏الهاتف واللاسلكي ، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدًا بين حاضرين وتطبق على هذه ‏الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء .‏

‏3- إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه ‏خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.‏

وللحديث بقية إن شاء الله .‏

عدد المشاهدات 5344