سلسلة مقالات نظام الحكم في الإسلام - الشروط الواجب توافرها في الحاكم المسلم

2010-09-17

جمال المراكبى

من المعلوم بداهة أن منصب الرئيس – الخليفة – هو أعلى وأجل منصب في الدولة الإسلامية، لذا كان حتماً على المسلمين أن يدققوا ويمعنوا فيمن يتولى هذا المنصب الخطير، فيختارون أصلح الناس لتولى هذا المنصب، وإلا كانوا مقصرين." من ولى من أمر المسلمين شيئاً، فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين " (1).

 فالمسلمون جميعاً – بوجه عام – وأهل الحل والعقد منهم – خاصة – مسئولون عن تولية أصلح الناس وأقواهم على تحمل عبء هذه الأمانة دون أى تهاون أو تقصير ، وإلا وقعوا تحت طائلة العقاب والوعيد المذكور . ومدار الصلاحية على القوة والأمانة . " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " ( القصص : 26 ) . القوة على تحمل أعباء هذا المنصب ، والأمانة التي تجعله يؤدى إلى كل ذى حق حقه ، وما أعظم وما أخطر شأن هذه الأمانة " إنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزى وندامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها " (2) .ولا شك أن ضياع هذه الأمانة من أهم علامات الساعة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " قيل : يا رسول الله ما إضاعتها ؟ قال : " إذا وُسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " (3) .

من أجل هذا توسع فقهاء المسلمين في بحث شروط الخلافة وتفننوا في الشروط الواجب توافرها فيمن يلى أمراً من أمور المسلمين بوجه عام ، وفيمن يلى منصب الخلافة بوجه خاص ، حتى لا يتسلق طفيلى إلى هذه الذروة ، ولا يعتليها من ليس لها بأهل فيكون ضرره على المسلمين عاماً ، ومعظم هذه الشروط اجتهادية بمعنى أنها مستنبطة وغير منصوص عليها شرعاً .

وجدير بالذكر أن هذه الشروط في معظمها لا ينبغى مراعاتها إلا في الحال التي تكون صفة الاختيار متوافرة فيها للأمة ، أما إذا انتفت حالة الاختيار وألجئت الأمة إلى حال لا اختيار لها فيه كتغلب من لا يصلح أو من لم يستكمل الشروط ، وكان تغييره مؤدياً إلى فتنة وشر عظيم فيجوز للأمة في هذه الحالة أن تتغاضى عن بعض هذه الشروط الواجبة وذلك درءاً للفتنة عن عدم طاعة هذا المتغلب ، بل يطاع في طاعة الله ويعصى في معصية الله كما بينا ذلك تفصيلاً من قبل ، ولكن إقرار المتغلب فاقد هذه الشروط ليس إلا حالة من حالات الاضطرار وليس أصلاٍ ثابتاً في الولاية .

وإذا لم تتوافـر جميع هذه الشروط في شخص واحد فينبغى مراعاة الأمثل فالأمثل بحسب حاجة المسلمين ومصلحتهم ، لأن الله تعالى لا يكلفنـا إلا بما نطيق " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " ( التغابن :16 ) ، " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا " ( البقرة : 286 ) .

وإذا تكافأت هذه الشروط وتوازنت في أكثر من شخص وجب تقديم الأصلح والأنسب لظروف المسلمين وأحوالهم بحسب الوقت الذي يعيشون فيه .

وهذه الشروط منها ما هو واجب في كل ولاية كبيرة أو صغيرة ومنها ما هو خاص بالخلافة – الرئاسة - ، ومن هذه الشروط ما لا يمكن التغاضى عنه بحال ، ومنها ما يمكن التغاضى عنه عند عدم الإمكان ، ومن هذه الشروط ما لا خلاف عليه بين العلماء ، وهى الإسلام ، والعقل ، والذكورة ، والعدالة ، والعلم .

ومنها ما اختلف عليه العلماء وهى : البلوغ ، والحرية ، والكفاءة الجسيمة ، والقرشية .

وسوف نتكلم باختصار عن هذه الشروط .

أولاً : الإسلام : وهو شرط بدهى ، يشترط في كل ولاية إسلامية كبيرة كانت أو صغيرة . والأدلة على اشتراط الإسلام كثيرة في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وسلف الأمة ، ففي القرآن نص على أن ولاة الأمر من المسلمين " أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " ( النساء : 59 ) . بل إن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الأمراء والأئمة ، ونهى عن الخروج عليهم إلا أن يخرجُوا عن الإسلام ويظهروا الكفر البواح ، وقد أجمع المسلمون على عدم جواز تولى الكافر أمور المسلمين .

ثانياً : العقل : وهو أيضاً من الشروط البدهية ، فلا تنعقد الولاية لمن فقد عقله ، لأن فاقد العقل غير مكلف بما هو واجب على كل أحد ، فكيف يكلف بولاية على غيره .قال تعالى : " وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا " ( النساء : 5 ) .

ثالثاً : الذكورة : أجمع العلماء على عدم جواز تولى المرأة منصب الخلافة ، وذلك لحديث النبى صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن الفرس قد ولوا ابنه كسرى : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " أخرجه البخارى في صحيحه .

وقد قال الله عز وجل : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ " ( النساء : 34 ) .

والخلافة كولاية عامة تقتضى الدخول في المحافل العامة ومخالطة الرجال وقيادة الجيوش ، وذلك لا يتماشى مع وضع المرأة في الإسلام ، وما أراده الله لها من صيانة ورعاية " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى " ( الأحزاب : 33 ) .

ولهذا لا يوجب الشرع على المرأة بعض ما أوجبه على الرجل من التكاليف الشرعية كالجهاد، والإنفاق على البيت ونحو ذلك.

رابعاً : العدالة : وهى شرط بدهى في كل الولايات الدينية ، فضلاً عن منصب الخلافة .

والعدالة تعنى في جملتها: الأخلاق الفاضلة، والعدل: من تقبل شهادته تحملاً وأداءً، وقد جعل الله العدالة شرطاً في أصغر الولايات كحضانة الصغير، والحكم في جزاء الصيد، وجعلها شرطاً لقبول الشهادة، فكيف لا تكون شرطاً في أعظم الولايات على الإطلاق. والفسق – وهو نقيض العدالة – يمنع من قبول الشهادة، ومن كل ولاية دينية، لأنه مدعاة للتساهل في تطبيق أحكام الدين، فكيف يتصور أن يتولى فاسق ولاية أمر المسلمين فيقيم شرع الله ويجاهد في سبيل الله ؟! .

ولا نعنى أن العدالة قرين العصمة، فالعصمة للأنبياء فقط، ولا يستبعد على بنى آدم الوقوع في الخطأ، والله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.

خامساً : العلم : وهو شرط بدهى في كل ولاية ، فينبغى على كل والٍ أن يعلم يقيناً ما يجب عليه ليقوم بأعباء منصبه على أكمل وجه . فلا يخرج بالولاية عما شرعت له من إقرار مصالح العباد .

وقد اختلف العلماء في حد العلم الذي ينبغى أن يحصله شاغل منصب الخلافة ، ومذهب الجمهور وجوب تحصيل مرتبة الاجتهاد المطلق .

سادساً : البلوغ : فلا تنعقد الخلافة لصغير ، وذلك لأن الصغير غير مكلف في نفسه ويحتاج إلى وصاية غيره، فكيف يكلف بالولاية على غيره فضلاً عن الولاية على سائر المسلمين ؟!

سابعاً : الحرية :. وهو شرط بدهى ، لأن العبد المملوك يخضع لغيره ولا يملك أمر نفسه ، فكيف تكون له ولاية على غيره وقد يرد على هذا الشرط قول النبي صلى الله عليه وسلم : " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " أخرجه البخاري ، عن أنس ، ولكن جمهور العلماء تأولوا هذا النص وأمثاله بأنه في حال التغلب ، أو أنه ورد على سبيل ضرب المثال بما لا يقع حقيقة ، وذلك مبالغة في لزوم الطاعة .

ثامناً : الكفاءة الجسمية : ونعنى بها سلامة الأعضاء والحواس من كل نقص يؤثر في كفاءة شاغل المنصب أو المرشح له ، وقد بينا من قبل أن القوة شرط أصيل في كل ولاية لأنه بدونها لا يمكن تحمل أعباء المنصب .

وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى ذر : " إنك ضعيف وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزى وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها " أخرجه مسلم .

أخيراً : القرشية : وقد أثار هذا الشرط جدلاً واسعاً بين مؤيد له ومعارض .

والدليل على اشتراطه قول النبى صلى الله عليه وسلم : " الأئمة من قريش " ( 4) .

---------------------------

(1) ضعيف جداً. أخرج الحاكم في المستدرك ( 4/92 93 ) نحوه من حديث ابن عباس مرفوعاً ، وفي سنده : الحسين بن قيس الرحبى الملقب بحنش وهو متروك .

(2) أخرجه مسلم في صحيحه ( 1825/16 ) من حديث أبى ذر الغفاري رضي الله عنه .

(3) أخرجه البخاري في صحيحه ( رقم 59 ) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه .

(4) صحيح. " الأئمة من قريش " أخرجه أحمد وغيره عن جمع من الصحابة ، وانظر إرواء الغليل ( 2/298 ) للعلامة الألباني .

عدد المشاهدات 6657