خطبة: وقفات مع حديث "الدين النصيحة" - عدد ربيع الأول 1439هـ من كتاب الواعظ

2017-11-22

اللجنة العلمية

وقفات مع حديث "الدين النصيحة"

الدين النصيحة

عَنْ تَمِيم بن أوس الدَّارِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ). (1)

أولا: أهمية الحديث

قال أبو داود: هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه.

قال النووي: بل مدار الدين على هذا الحديث وحده وهو محصل لغرض الدين كله لأنه منحصر في الأمور التي ذُكرت في الحديث. (2)

قال محمد بن نصر المروزي عند ذكر الحديث: جمعت هذه الكلمة كل خير يُبتغى ويُؤمر به، وكلَّ شر يُتقى وينهى عنه. (3)

ثانيا: معنى النصيحة

وردت عدة تعريفات للنصيحة عن أئمة السلف من أهمها:

- هي: كلمة يُعبر بها عن جملةٍ، هي إرادة الخير للمنصوح له؛ وهذا من وجيز الأسماء ومختصر الكلام وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفى بها العبارة عن هذا المعنى غير هذه الكلمة. (4)

- وقال ابن الصلاح: النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلا.(5)

- أو هي: إخلاصُ الرأي من الغِشّ للمنصوح، وإيثار مصلحته، أو هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح والنهي عما فيه الفساد. (6)

- وقال بعض أهل العلم: جماع تفسير النصيحة هو عناية القلب للمنصوح له مَن كان. (7)

ثالثا: ما المراد بقوله: الدين النصيحة؟

اختلف العلماء في حصر الدين في النصيحة هل هو حقيقي أم مجازي؟ على احتمالين:

- الأول: - وعليه الأكثر- يحتمل أنه أراد: المبالغة؛ فيكون في الكلام حذف تقديره: عماد الدين وقوامه النصيحة، كما يقال: ( الحج عرفة )، أي: عماد الحج وقوامه الوقوف بعرفة. فيكون التقدير: معظم أركان الدين النصيحة، أو النَّصِيحَة أفضل الدّين وأكمله، كَمَا يُقَال: المَال الْإِبِل، فكأنه بولغ في النصيحة إلى أن جعل الدين إياها، وإن كان في الدين خصال أخرى غيرها.

الثاني: ويحتمل أن يحمل على ظاهره لأن كل عمل لم يرد به عامله الإخلاص فليس من الدين. (8)

قال ابن بطال: في هذا الحديث أن النصيحة تسمى دينا وإسلاما وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول. (9)

رابعا: أهمية النصيحة وفضلها

للنصيحة أهمية بالغة لما لها من الأثر العظيم في حفظ عقائد وأخلاق الناس من الضياع

أولاً: النصيحة هي مهمة الرسل ووظيفتهم

لشرف النصيحة وعلو شأنها كانت خلقَ النبيين، وسبيلَ المتقين، قال تعالى على لسان نوح: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 62]

قال السعدي: أي: وظيفتي تبليغكم، ببيان توحيده وأوامره ونواهيه، على وجه النصيحة لكم والشفقة عليكم. (10)

وقال على لسان هود: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: 86]

قال القاسمي: أي: ناصح لكم فيما آمركم به من عبادته تعالى وحده، وأمين على تبليغ الرسالة، لا أكذب فيه. (11)

وعلى لسان صالح: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 79]

وقال على لسان شعيب: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)} [الأعراف: 93].

ومِن أجْملِ ما وردَ في فَضْلِ النُّصْح والتوجِيه وَأَجْرِ النَّاصِحِين؛ قَوْلُ رَبِّ الْعَالمِين: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِين} {الأَعْرَاف/170}

قال السعدي: أي المصلحين في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم، مصلحين لأنفسهم ولغيرهم.

وهذه الآية وما أشبهها دلت على أن الله بعث رسله عليهم الصلاة والسلام بالصلاح لا بالفساد، وبالمنافع لا بالمضار، وأنهم بعثوا بصلاح الدارين، فكل من كان أصلح، كان أقرب إلى اتباعهم. (12)

فهذه النصوص القرآنية تفيد أن النصيحة من أبلغ ما يوجهها الأنبياء عليهم السلام إلى قومهم، وأنها تؤدي ثمارها في حالة السلب والإيجاب بالنسبة للناصح، فإن قبلها القوم عاد نفعها عليه وعليهم في الدنيا والآخرة، وإن رفضوها فالنتيجة الحتمية هي العذاب لهم والأجر للناصح. إذاً فكل ناصح فهو مأجور على نصيحته مهما كانت النتائج، وذلك إذا خلصت نيته وعمل بتوجيهات الرب سبحانه وتعالى. (13)

ثانياً: النصيحة شملت مراتب الدين وجمعت خصال الخير

كما في الحديث الذي معنا، ويؤكد ذلك رواية أبي داود وغيره: ( إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ). فاجتماع التأكيد مع الحصر يفيد شمول النصيحة جميع خصال الخير التي هي مراتب دين الإسلام.

ومما يبين ذلك قول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر: 1 - 3]

يقول ابن القيم: وهذا نهاية الكمال، فإن الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه مكملاً لغيره. (14)

فتأمل هذا الكلام الممتع، هذا هو الكمال الحقيقي، وهذه حقيقة النصيحة المأمور بها في هذه السورة {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ }

وقال الحسنُ البصري: ما زال لِلهِ تعالى نُصحاء ينصحون للهِ في عِباده، وينصحون لِعبادِ الله في حقَّ الله، ويعلمون لله تعالى في الأَرض بالنَّصيحة، أُولئك خلفاءُ اللهِ في الأَرْض. (15)

- ثالثا: النصيحة من أحب الأعمال إلى الله ومن أعظم ما عُبِدَ الله به

قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت: 33]

قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: إن شئتم لأنصحن لكم، إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله تعالى إلى عباده ويعملون في الأرض نصحا. (16)

وسئل عبد الله بن المبارك: أي الأعمال أفضل؟ قال: النصح لله. (17)

وقال الحسن البصري: والذي نفسي بيده، إن شئتم لأقسمن لكم بالله إن أحب عباد الله الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة. (18)

وقال بعضُ السَّلفِ: أفضلُ الأعمالِ سلامةُ الصُّدُورِ، وسخاوةُ النُّفوسِ، والنصيحةُ للأمَّةِ، وبهذه الخصالِ بلغَ منْ بلغَ، لا بكثرةِ الاجتهادِ في الصَّومِ والصَّلاةِ. (19)

رابعا: النصيحة من علامات كمال الإيمان

عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ). (20)

من أظهر علامات حب المسلمين الحرص عليهم والنصح لهم فيما يعود عليهم نفعه.

قال الفضيل بن عياض: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير. (21)

قال أبو بكر المزني: ما فاق أبو بكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصوم ولا بصلاة، ولكن بشيء كان في قلبه. قال ابن علية: الذي كان في قلبه الحب لله عز وجل والنصيحة في خلقه. (22)

- خامسا: النصيحة نوع من الجهاد

قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91].

فهؤلاء المذكورين ليس عليهم حرج، بشرط أن ينصحوا لله ورسوله، بأن يكونوا صادقي الإيمان، وأن يكون من نيتهم وعزمهم أنهم لو قدروا لجاهدوا، وأن يفعلوا ما يقدرون عليه من الحث والترغيب والتشجيع على الجهاد. (23)

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: إنَّ أول ما تُغلبونَ عليه مِنَ الجِهادِ: الجهادُ بأيديكم، ثم الجهادُ بألسنتكم، ثم الجهادُ بقلوبكم، فمن لم يعرف قَلبهُ المعروفَ، ويُنكرُ قلبهُ المنكرَ، نُكِسَ فجُعِل أعلاه أسفلَه.(24)

خامسا: النصيحة من حقوق المسلم على أخيه المسلم

قال الحسن البصري: المؤمن شعبة من المؤمن وهو مرآة أخيه، إن رأى منه ما لا يعجبه سدده وقوَّمه ونصحه في السر والعلانية. (25)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: ( حَقُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ سِتٌّ. . . فَذَكَرَ مِنْهَا: وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ). (26)

وما أجمل ما قاله ابن تيمية: المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى. (27)

قال ابن حبان: خير الإخوان أشدهم مبالغة في النصيحة، كما أن خير الأعمال أحمدها عاقبة وأحسنها إخلاصاً، وضرْبُ الناصح خيرٌ من تحية الشانئ. (28)

قال ابن عبد البر: كان يقال من أحبك نهاك ومن أبغضك أغراك. (29)

وقال بعض الحكماء: ودّك من نصحك وقَلاكَ مَن مشى في هواك. (30)

ومهما لقي المسلم من إخوانه من جفوة وأذى فلا ينبغي أن يترك نصحهم قال بعض العارفين لبعض طلابه: أوصيك بالنصح للمسلمين، نُصْحَ الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم ويحفظهم.(31)

- سادسا: النصيحة من مكارم الأخلاق

قال المناوي: بالنصيحة يحصل التحابب والائتلاف، وبضدها يكون التباغض والاختلاف، وأقصى موجبات التحابب أن يرى الإنسان لأخيه ما يراه لنفسه. . . . . وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة. (32)

- سابعا: ترك النصيحة وإهمالها سبب اللعنة والعذاب

أخبر الله تعالى في القرآن الكريم أن بني إسرائيل استحقوا اللعنة والحرمان والتشريد؛ لأنهم كانوا لا يتناصحون قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المائدة: 78، 79]

أي: كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك. (33)

عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ( مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا؛ إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ ). (34)

خامسا: كيفية النصح لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين

إذا نظرنا إلى حقيقة النصيحة وجدنا أنها على ضربين:

1- تكميل نقص وسدُّ خلل: وهذا في حق العباد الذين يصيبهم النقص، وتقع منهم الأخطاء والذنوب والآثام، ويتصور منهم التقصير.

2- وصف بالكمال: وهذا في حق الله تبارك وتعالى، وفي حق كتابه الكريم، وفي حق النبي -صلى الله عليه وسلم-. (35)

قال الخطابي: وحقيقة هذه الأوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإن الله سبحانه غني عن نصح الناصح. (36)

سئل أحد السلف عن معنى النصح لله؟ قال: أن تبدأ بحق الله تعالى قبل حق الناس، وإن عرض لك أمران: أحدهما لله، والآخر للدنيا، بدأت بحق الله تعالى. (37)

أولا: النصيحة لله

من صور النصيحة لله تعالى:

1 - الإيمان به ونفي الشريك عنه. وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص.

2 - ترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها.

3 - القيام بطاعته واجتناب معصيته.

4 - الحب فيه والبغض فيه وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه وجهاد من كفر به.

5 - الخضوع له ظاهرا وباطنا والرغبة في محابه بفعل طاعته والرهبة من مساخطه بترك معصيته والجهاد في رد العاصين إليه. (38)

6- التزام الأدب مع الله سبحانه في كل أحواله

والأدب مع الله تبارك وتعالى: هو القيام بدينه، والتأدب بآدابه ظاهرا وباطنا.

والأدب هو الدين كله. وأدب المرء: عنوان سعادته وفلاحه. وقلة أدبه: عنوان شقاوته وبواره؛ فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانهما بمثل قلة الأدب.

قال ابن مبارك: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.

وقال أبو علي الدقاق: ترك الأدب يوجب الطرد. فمن أساء الأدب على البساط رُدَّ إلى الباب. ومن أساء الأدب على الباب رُدَّ إلى سياسة الدواب. (39)

ثانيا: النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى

وتشمل صور عدة منها:

1 - الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد من الخلق.

2 - تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة.

3 - الذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين.

4 - التصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله.

5 - الاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه.

6 - البحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه.

7- تعلمه وتعليمه ودعوة الناس إلى هديه

قال عبّاد بن عبّاد الخوّاص الشّاميّ: ناصحوا الله في أمّتكم إذ كنتم حملة الكتاب والسّنّة. فإنّ الكتاب لا يَنطق حتّى يُنطق به، وإنّ السّنّة لا تَعمل حتّى يُعمل بها، فمتى يتعلّم الجاهل إذا سَكَت العالم، فلم يُنكر ما ظهر ولم يأمر بما ترك، وقد أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه. . . . ولا تكتفوا من السّنّة بانتحالها بالقول دون العمل بها، فإنّ انتحال السّنّة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العلم. (40)

ثالثا: النصيحة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-:

ومن صور النصيحة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-:

1- كمال التسليم له، والانقياد لأمره واجتناب نهيه، وتلقي خبره بالقبول والتصديق

قال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]

وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } [الأحزاب: 21، 22]

2 - نصرته حيًّا وميتا ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه.

قال تعالى في وصف المهاجرين الأولين: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحشر: 8]

وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أبيّ بن كعب يوم أُحد، يتفقد سعد بن الربيع بين من جُرح أو قتل، فقال لأُبيّ: أقرئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مني السلام، وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيهم عينٌ تطرف، قال أبيّ: فلم أبرح عنده حتى مات، وأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ( رحمه الله تعالى، نصح لله ولرسوله حيا وميتا ). (41)

3 - إعظام حقه وتوقيره.

قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9]

4التمسك بسنته والاهتداء بهديه مهما كانت الظروف

قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: لست تاركا شيئا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل به، إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ. (42)

وقال إبراهيم بن هانئ: اختفى عندي أحمد بن حنبل - أيام المحنة -، ثلاث ليال ثم قال لي اطلب لي موضعا حتى أدور، قلت: إني لا آمن عليك يا أبا عبد الله! فقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختفى في الغار ثلاثة أيام، وليس ينبغي أن تُتبع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرخاء وتترك في الشدة. (43)

5- التخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه.

6 - محبة أهل بيته وأصحابه ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه.

رابعا: النصيحة لأئمة المسلمين:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ ). (44)

قال ابن عبد البر: فيه إيجاب النصيحة على العامة لولاة الأمر وهم الأئمة والخلفاء وكذلك سائر الأمراء.(45)

وعن زَيْد بْن ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول ( ثَلاَثُ خِصَالٍ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ). (46)

ومن صور النصيحة لأئمة المسلمين:

1 - إعانتهم على ما حملوا القيام به.

2 - تنبيههم عند الغفلة وسد خلتهم عند الهفوة وجمع الكلمة عليهم ورد القلوب النافرة إليهم.

3 - دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن.

4 - معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف.

5 - إعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين.

6 - ترك الخروج عليهم وتألف قلوب الناس لطاعتهم.

7 - الصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم.

8 - أن لا يُغرّوا بالثناء الكاذب عليهم.

9 - أن يدعى لهم بالصلاح.

قال الفضيل بن عياض: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان.

قيل له: يا أبا علي فسر لنا هذا. قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد.

قال البربهاري معلقا: فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن ظلموا، وإن جاروا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين. (47)

خامسا: النصيحة لعامة المسلمين:

ويندرج تحت النصيحة لعامة المسلمين صور كثيرة منها:

1 - الشفقة عليهم.

2 - السعي في قضاء حوائجهم، وستر عوراتهم وسد خلاتهم ودفع المضار عنهم.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: ( أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي المَسْجِد شهرا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضًى وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ ). (48)

3 - تعليمهم ما ينفعهم وكف وجوه الأذى عنهم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ ). (49)

4 - أن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه.

5 - إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم.

7الحرص على نجاتهم ولو كان في ذلك عطبه.

قال ابن رجب: من أنواع نصحهم: الرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محبة لإزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه، كما قال بعض السلف: وددت أن هذا الخلق أطاعوا الله وإن لحمي قرض بالمقاريض.

وكان عمر بن عبد العزيز يقول: يا ليتني عملت فيكم بكتاب الله وعملتم به، فكلما عملت فيكم بسنة، وقع مني عضو حتى يكون آخر شيء منها خروج نفسي. (50)

8 - توقير كبيرهم ورحمة صغيرهم.

9 - تخولهم بالموعظة الحسنة.

10 - ترك غشهم وحسدهم.

11 - الذب عن أموالهم وأعراضهم

---

(1) رواه مسلم (55)

(2) شرح النووي على مسلم (2/ 37) وفتح الباري لابن حجر (1/ 138)

(3) تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (2/ 681)

(4) معالم السنن للخطابي (4/ 125) والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (5/ 63) وشرح النووي على مسلم (2/ 37)

(5) جامع العلوم والحكم (1/ 222)

(6) التعريفات الفقهية للبركتي (ص: 228)

(7) تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (2/ 691)

(8) كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 219) وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 124)وفتح الباري لابن حجر (1/ 138) وعمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (1/ 321)

(9) شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/ 129)

(10) تفسير السعدي (ص: 293)

(11) تفسير القاسمي (5/ 116)

(12) تفسير السعدي (ص: 308)

(13) موسوعة الأخلاق الإسلامية - الدرر السنية (2/ 59 )

(14) مفتاح دار السعادة (1/ 56)

(15) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (5/ 68)

(16) المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 88)

(17) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 107)

(18) الترغيب والترهيب لقوام السنة (3/ 248)

(19) تفسير ابن رجب الحنبلي (2/ 397)

(20) رواه البخاري (13) ومسلم (45)

(21) الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب (ص: 17)

(22) جامع العلوم والحكم (1/ 225)

(23) تفسير السعدي (ص: 348)

(24) جامع العلوم والحكم (2/ 245)

(25) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 195)

(26) رواه مسلم (2162)

(27) مجموع الفتاوى (28/ 53)

(28) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 195)

(29) الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 185)

(30) المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 88)

(31) فيض القدير (3/ 556)

(32) فيض القدير (6/ 268)

(33) تفسير السعدي (ص: 241)

(34) رواه أحمد (1/ 9) وأبو داود (4338) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (3/ 1422)

(35) فقه النصيحة (ص: 2)

(36) شرح النووي على مسلم (2/ 38)

(37) جامع العلوم والحكم (1/ 219)

(38) راجع في ذلك معالم السنن للخطابي (4/ 126) وكشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (4/ 219) وشرح النووي على مسلم (2/ 38) وجامع العلوم والحكم (1/ 219)

(39) مدارج السالكين (2/363 - 368 ) باختصار وتصرف

(40) سنن الدارمي (1/ 508)

(41) رواه مالك في الموطأ ط عبد الباقي (41 ) عن يحيي بن سعيد مرسلا، ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 590) عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه عن جده أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم أحد. . . وربيح مقبول، وأبوه وثقه مسلم والنسائي ولينه ابن سعد.

(42) رواه البخاري (3093) ومسلم (1759)

(43) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 21)

(44) رواه أحمد (2/ 367) وصححه الألباني في صحيح الجامع(1/ 385)

(45) التمهيد (21/ 284)

(46) رواه أحمد (5/ 183) وصححه الألباني في صحيح الجامع(2/ 1146)

(47) شرح السنة للبربهاري (ص: 114)

(48) رواه ابن أبي الدنيا في اصطناع المعروف (ص: 80) والطبراني (13646) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 576)

(49) رواه أبو داود (4918) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1130)

(50) جامع العلوم والحكم (1/ 223).

عدد المشاهدات 4642