وسطية الإسلام من أبرز خصائصه - ملف العدد (الواعظ رجب 1438هـ)

2017-04-20

اللجنة العلمية

ملف العدد

وسطية الإسلام من أبرز خصائصه

وسطية الإسلام من أبرز خصائصه

من أبرز خصائص أمة الاستجابة وسطيتها، فالأمة الإسلامية وسط في كل جوانب الدين.

ففي جانب العقيدة: فهم ممتثلون لقوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة: 77).

فهم وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين؛ لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون، ولا جفوا عنهم كما جفت اليهود؛ فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقا وقتلوا فريقا.

بل المؤمنون آمنوا برسل الله وعزروهم ونصروهم ووقروهم وأحبوهم وأطاعوهم، ولم يعبدوهم ولم يتخذوهم أربابا كما قال تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران: 79: 80).

توسط أهل السنة والجماعة بين الفرق الإسلامية، فأهل السنة والجماعة وسط بين الفرق كلها.

فهم في باب أسماء الله وآياته وصفاته وسطٌ بين أهل التعطيل، الذين يلحدون في أسماء الله وآياته ويعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه؛ حتى يشبهوه بالعدم والموات وبين أهل التمثيل الذين يضربون له الأمثال ويشبهونه بالمخلوقات.

فيؤمن أهل السنة والجماعة بما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف وتمثيل.

وهم في باب خلقه وأمره وسط بين المكذبين بقدرة الله؛ الذين لا يؤمنون بقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة وخلقه لكل شيء؛ وبين المفسدين لدين الله الذين يجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل. فيعطلون الأمر والنهي والثواب والعقاب فيصيرون بمنزلة المشركين الذين قالوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ) (الأنعام: 148).

فيؤمن أهل السنة بأن الله على كل شيء قدير. فيقدر أن يهدي العباد ويقلب قلوبهم وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يعجز عن إنفاذ مراده وأنه خالق كل شيء من الأعيان والصفات والحركات.

ويؤمنون أن العبد له قدرة ومشيئة وعمل وأنه مختار ولا يسمونه مجبورا؛ إذ المجبور من أكره على اختلاف اختياره والله سبحانه جعل العبد مختارًا لما يفعله فهو مختار مريد والله خالقه وخالق اختياره وهذا ليس له نظير. فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وسط بين الوعيدية؛ الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار ويخرجونهم من الإيمان بالكلية ويكذبون بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-. وبين المرجئة الذين يقولون: إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان. ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية.

فيؤمن أهل السنة والجماعة بأن فساق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله وليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة وأنهم لا يخلدون في النار. بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال خردلة من إيمان وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ادخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته.

وهم أيضًا في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم وسط بين الغالية. الذين يغالون في علي -رضي الله عنه- فيفضلونه على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ويعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما وأن الصحابة ظلموا وفسقوا، وكفروا الأمة بعدهم كذلك وربما جعلوه نبيا أو إلها وبين الجافية الذين يعتقدون كفره وكفر عثمان -رضي الله عنهما- ويستحلون دماءهما ودماء من تولاهما. ويستحبون سب علي وعثمان ونحوهما ويقدحون في خلافة علي -رضي الله عنه-وإمامته(1).

وهم وسط بين المعتزلة المعظمين للعقل إلى درجة أنهم يردون المتواتر من الأحاديث ويلوون أعناق الآيات بتأويلاتهم الفاسدة لزعمهم أنها تخالف العقل، وبين أهل الجمود والظاهر ممن يلغون دور العقل في الفهم والاستنباط والفقه ولا يثبتون للنص معنى.

وهم وسط بين من يقول: نقرأ القرآن والسنة للبركة، وأما العلم والفقه فهو مدون في المتون والمختصرات والمطولات وأقوال الرجال، ويحفظون الأقوال والمسائل دون اهتمام بالدليل، وبين من يقول: "الكتاب والسنة"، بمعنى إهدار جهود السابقين من الأئمة الأعلام ومصابيح الظلام الذين أصَّلُوا الأصول وفرَّعوا الفروع ونفعوا الأمة وخدموا الكتاب والسنة، فالمتأخرون من بحر علومهم يغرفون، ولكن هذا لا يعني أنهم معصومون ولا يخطئون، فأهل السنة والجماعة يحبونهم ويحترمونهم وينتفعون بعلومهم ويستعينون بأقوالهم لفهم الكتاب والسنة واتباع الصحيح من الأقوال.

وهم وسط بين من يقول بأن كل مجتهد مصيب وبين من يسفه آراء العلماء ويتطاول على أئمة الإسلام، وقولهم في المسألة كل مجتهد مأجور وإن أخطأ، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ واحد"(2).

وهم وسط بين المتفلتين المتتبعين لرخص العلماء بزعم التيسير والتخفيف على العباد وبين المتشددين المحرمين لكل شيء.

وهم وسط في مسألة التقليد بين من يحرم الاجتهاد ويوجب التقليد على كل أحدٍ وبين من يحرم التقليد على إطلاقه دون تفصيل(3).

وكذلك في سائر "أبواب السنة " هم وسط. لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان(4).

---

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (3/373-375).

(2) البخاري (7352)، مسلم (1716).

(3) الغلو في الدين، لجلال بن بعد الرحمن عارف صـ21، 22.

(4) مجموع فتاوى ابن تيمية (3/373).

عدد المشاهدات 3905